Arabes du Christ


" الهجرة المسيحية تحمل رسالة غير مباشرة للعالم بأن الإسلام لا يتقبل الآخر ولا يتعايش مع الآخر...مما ينعكس سلباً على الوجود الإسلامي في العالم، ولذلك فإن من مصلحة المسلمين، من أجل صورة الإسلام في العالم ان .... يحافظوا على الوجود المسيحي في العالم العربي وأن يحموه بجفون عيونهم، ...لأن ذلك هو حق من حقوقهم كمواطنين وكسابقين للمسلمين في هذه المنطقة." د. محمد السماك
L'emigration chretienne porte au monde un message indirecte :l'Islam ne tolere pas autrui et ne coexiste pas avec lui...ce qui se reflete negativement sur l'existence islamique dans le monde.Pour l'interet et l'image de l'Islam dans le monde, les musulmans doivent soigneusement proteger l'existence des chretiens dans le monde musulman.C'est leur droit ..(Dr.Md. Sammak)
Affichage des articles dont le libellé est البطريرك لحام ، رسالة ، عيد الميلاد ، روم كاثوليك ،. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est البطريرك لحام ، رسالة ، عيد الميلاد ، روم كاثوليك ،. Afficher tous les articles

jeudi 26 décembre 2013

Message du patriarche Gregoire xiii Laham à l'occasion de Noel , en arabe



رسالة الميلاد لبطريرك الروم الملكيين الكاثوليك، غريغوريوس الثالث لحام


الربوة, (زينيت) | 22 زيارة\زيارات

صاحب الغبطة
البطريرك غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم المَلَكيِّين الكاثوليك
بمناسبة عيد الميلاد المجيد
25 كانون الأوّل 3012

من غريغوريوسَ عبدِ يسوعَ المسيح
برحمةِ الله تعالى
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
والإسكندريّة وأورشليم
إلى الإخوة السَّادة المطارنة، أعضاء المجمع المقدَّس الموقَّرين
وسائر أبنائنا وبناتنا بالمسيحِ يسوع، إكليروسًا وشعبًا،
المدعوِّين قدِّيسين، مع جميع الذين يَدعُون باسم ربِّنا يسوع المسيح، ربِّهم وربِّنا
نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا، والرَّبِّ يسوع المسيح (اكور: 1-3).


السلام عليكِ يا من أظهَرَتِ الربَّ المحبَّ البشر
عيد ميلاد السيد المسيح بحسب الجسد 25 كانون الأول 2013

السلام عليكِ يا من أظهَرَتِ الربَّ المحبَّ البشر

    هذه التحيَّة لمريم العذراء هي تعبيرٌ مريميٌّ لاهوتيٌّ وجدانيٌّ بشريٌّ وإلهيٌّ رائعٌ وفريدٌ ومميَّزٌ ومعجزٌ! تعبيرٌ معجز في إيجازه لشرح التجسُّد الإلهي، ولأسمى المعاني التي يحملها عيد الميلاد المجيد الذي نحتفل به كلّ عام. إنَّنا نكتشف عامًا بعد عام معانيه السامية التي تفوق الإنسان. أو بالحري ترفع الإنسان، تسمو به إلى علوِّ الله، لا بل تؤلِّهه! وهنا نحبُّ أن نردِّد المقولة اللاهوتيَّة الآبائيَّة والليترجيَّة المأثورة: إنَّ الله أصبح إنسانًا لكي تصبح أنت الإنسان إلهًا! وإلى هذا تشير صلواتنا: آدم اشتهى أن يكون إلهًا فخاب أمله! فأصبح الله إنسانًا وحقَّق أحلام آدم التي كانت موضوع أول حلمٍ للإنسان عندما كان في الجنَّة، حيث أوحت الحيَّة المجرِّبة إليه وإلى حواء: تصيران آلهة! عارفَين الشرَّ والخير!
وها هو الحلم يتحقَّق من خلال أمّنا مريم العذراء التي أظهرت المسيح الربَّ المحبّ البشر! فعيد الميلاد هو مريمي ومسيحاني في آنٍ واحد. هذه الآية الواردة في أجمل مجموعة مدائح أمّنا مريم العذراء (السيّدة والدة الإله)، وهو قانون المدائح (التسبحة التاسعة)، تختصر معانيَ الميلاد: التجسُّد هو علامة محبَّة الله للبشر. والإله المتجسِّد يسوع المسيح إلهنا ومخلِّصنا وفادينا، صفته الأساسيَّة الكبرى العميقة الواسعة الشاملة الفريدة هي: الله المحبّ البشر. ويقابل هذه الآية من المدائح ما أورده القدّيس الرسول يوحنا الإنجيلي: الله محبَّة! ويقابل ذلك ما ورد عند الإنجيلي يوحنّا نفسه: "هكذا أحبَّ الله العالم حتى إنَّه بذل ابنه الوحيد كي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديَّة" (يوحنا 16:3). وهذا ما قاله السيِّد المسيح مؤكِّدًا أنَّه الراعي الصالح: "إنما أتيت لكي تكون لهم الحياة وتكون لهم أفضل وبوفرة" (يوحنا 10:10).

المحبَّة أسمى معاني الميلاد
وتبدو معاني الميلاد في خطاب يسوع الأخير لتلاميذه قبيل آلامه وموته وقيامته. يمكننا أن نعتبر هذا الخطاب مختصر معاني الميلاد والتجسُّد الإلهي والتدبير الخلاصي، لا بل مختصر الإيمان المسيحي. أولاً السيِّد المسيح يغسل أرجل تلاميذه. ويقدِّم يوحنّا الإنجيلي لهذا الغسل بهذه العبارة: "إذ كان يسوع يعلم أنَّ الساعة قد حانت له لينتقل من هذا العالم إلى أبيه، هو الذي أحبَّ خاصّته الذين في العالم، أحبَّهم إلى الغاية... نهض عن العشاء... وطفق يغسل أرجل تلاميذه" (يوحنا 13).
غسل الأرجل هو علامة المحبَّة قبل أن يكون علامة تواضع. ولهذا يطلب السيِّد المسيح من التلاميذ: "وجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض". وأذكر أنَّني كتبت في مذكراتي حالاً بعد انتخابي بطريركًا في 29 تشرين الثاني عام 2000، أنَّني كنت أودُّ أن أبدأ بطريركيَّتي بغسل أرجل إخوتي الأساقفة. ولكن من استشرتهم لم يوافقوا على ذلك!
وحالاً بعد غسل الأرجل وخروج يهوذا، يعلن يسوع وصيَّته الأخيرة لتلاميذه، ولكنَّها في الحقيقة الأولى، وهي مختصر تجسّده وميلاده وتعاليمه: "إنّي أعطيكم وصيَّة جديدة: أن يحبّ بعضكم بعضًا. أجل أن يحبّ بعضكم بعضًا كما أحببتكم أنا. بهذا يعرف الناس أنَّكم تلاميذي إذا كنتم تحبّون بعضكم بعضًا" (يوحنا 34:13-35).
ويُظهر يسوع محبَّته لتلاميذه إذ يؤكِّد لهم: "إنَّ في بيتِ أبي منازل كثيرة... إنِّي منطلق لأُعدَّ لكم مكانًا. وإذا انطلقتُ وأعددتُ لكم مكانًا أرجع وآخذكم إليَّ. لتكونوا أنتم أيضًا حيث أكون أنا" (يوحنا 2:14-3). تلاميذ يسوع يصبحون أبناءَه، ولهذا يخاطبهم كأب: "لا أدعكم يتامى! إنّي آتي إليكم" (يوحنا 18:14). ويؤكِّد مجدَّدًا وتكرارًا محبَّته لتلاميذه: "من كانت عنده وصاياي وحفظها فهو الذي يُحبُّني. والذي يحبُّني يحبَّه أبي. وأنا أحبُّه وأظهر له ذاتي" (يوحنا 21:14). وفي خطابه الأخير نفسه يعود الكرة إلى تأكيد محبَّته: "إن أحبَّني أحد يحفظ كلمتي وأبي يحبُّه. وإليه نأتي. وعنده نجعل مقامنا" (يوحنا 23:14). وتعود تترَّدد عبارات محبَّة يسوع لتلاميذه في الفصل الخامس عشر حيث يؤكِّد المسيح على اتحاده بتلاميذه وضرورة اتحاد تلاميذه به من خلال مَثَل الكرمة والأغصان: "كما أحبَّني الآب، أنا أيضًا أحببتكم. أُثبتوا في محبَّتي. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبَّتي. كما أني حفظتُ وصايا أبي. وأنا ثابتٌ في محبَّته" (يوحنا 15: 9-10). ومن جديد يذكِّرهم بوصيَّته الأخيرة: "هذه وصيَّتي: أن يُحبَّ بعضكم بعضًا كما أحببتكم أنا. ليس لأحد حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه عن أصدقائه. فأنتم أصدقائي!" (يوحنا 12:15-14)."لا أدعوكم بعد عبيدًا... بل سمّيتكم أصدقائي" (يوحنا 15:15). ومن جديد: "فما أوصيكم به إذًا، هو أن يُحبَّ بعضكم بعضًا" (يوحنا 17:15).
ويتابع يسوع خطابه الأخير الرائع لتلاميذه بلهجة أخويَّة أبويَّة، كصديق وأخ وأب ومحبّ وعاشق... ويعلن لهم عن محبَّة الآب لهم: "ولست أقول لكم إنّي أسأل الآب لأجلكم. فإنَّ الآب أيضًا يحبّكم لأنَّكم أحببتموني" (يوحنا 26:16). كلّها إعلان محبَّة هذا الإله المحبّ البشر!
وفي الجزء الأخير من خطاب يسوع الأخير تتحوَّل كلمات يسوع المحبّ البشر إلى صلاة أخيرة حارّة لأجل تلاميذه، يسكب نفسه أمامهم بعواطف رقيقة وبحنوٍّ وحبٍّ. يخاف عليهم من العالم، من الاضطهاد، من الضيق... وتنتهي صلاته بطلبٍ إلى الآب لكي تثبت محبَّة الله فيهم: "لقد عرَّفتهم باسمك وسأُعرِّفهم أيضًا. لتكون فيهم المحبَّة التي أحببتني. وأكون أنا فيهم" (يوحنا 26:17).

الرعاية في الكنيسة محبَّة
 وينتهي إنجيل يوحنّا الحبيب، التلميذالذي كان يسوع يحبّه، إنجيل المحبَّة، ينتهي بطلب يسوع المحبّ البشر من بطرس أن يُعلن محبَّته له قبل أن يُسلِّمه رعاية القطيع، رعاية الكنيسة. وهذا هو نص الامتحان الذي طلبه يسوع من بطرس كمقدِّمة لتسلُّم عصا الرعاية.
"ولما تغدَّوا قال يسوع لسمعان بطرس: ((ياسمعان ابن يوحنّا، أتحبُّني أكثر من هؤلاء؟)) قال لهُ: ((نعم يا ربّ، أنت تعلم أنّي أُحبُّك)). قال له: ((إرع خرافي))" (يوحنّا 16:21). "ثمَّ قال له ثانيَّة: ((يا سمعان بن يوحنّا، أتحبُّني؟)) قال له: ((نعم يارب. أنتَ تعلم أنَّني أحبّك)). قال له: ((إرعَ نعاجي)). ثمَّ قال له ثالثة: ((يا سمعان بن يوحنا أتحبّني)) فحزن بطرس أنَّ يسوع قال له ثالثةً: ((أتحبُّني))، وقال له: ((يا ربّ، أنت تعرف كلَّ شيء؛ وأنتَ تعلم أنّي أُحبُّكَ)). قال له يسوع: ((إرع نعاجي)) (يوحنّا 17:21).
وهكذا يظهر بوضوح أنَّ المسيحيَّة ترتكز أولاً وآخرًا على محبَّة إلهٍ محبٍّ للبشر! والكنيسة ترتكز على محبَّة البشر! محبَّة الآخر! محبَّة جميع أبناء البشر، لأنَّهم كلّهم أبناء الله وأبناء البشر! والرعاية والخدمة وكل جوانب رسالة الكنيسة ترتكز على هذه المحبَّة. لأنَّ التجسُّد الإلهي، الميلاد، هو عمل محبَّة يسوع الإله المحبّ البشر.

المحبَّة في رسائل يوحنّا وبولس
يوحنّا الحبيب الذي كتب إنجيل المحبَّة، أوضح في رسائله الثلاثة مركزيَّة المحبَّة في شرحه لمعاني التجسُّد الإلهي، ولصفات الله وأسمائه، لا بل لجوهره وكيانه، قائلاً: "الله محبَّة" (رسالة يوحنّا الأولى 8:3).
الرسالة الأولى تبدو شرحًا لتعليم السيِّد المسيح المحبّ البشر. وهي مجبولة بالمحبَّة ومظاهِرها وشروطِها وأهمِيَّتها، وهي أيضًا كما في تعليم السيِّد المسيح الوصيَّة الجديدة.
ويذهب يوحنا إلى القول: "إن قال أحد إنِّي أحبُّ الله، وهو يُبغض أخاه فهو كاذب. فمن لا يحبُّ أخاه الذي يراه، فلا يستطيع أن يحبّ الله وهو لا يراه" (يوحنا 20:3). وترد عبارة المحبَّة في هذه الرسالة 43 مرة.
هذا هو لاهوت المسيحيَّة والكنيسة: إنَّه يُختصَر بالمحبَّة. هذا ما ورد في صلوات خدمة عيد انتقال القدّيس يوحنّا الحبيب (26 أيلول) حيث نقرأ:"فيا له من عجبٍ مُدهش. وأمرٍ فائق الحكمة. لأنَّ الذي هو مملوء من المحبَّة. صار ممتلئًا من التكلُّم باللاهوت. ولايزال بالمجد والكرامة والأمانة. رُكنًا لإيماننا غير المنثلم"
ولن أتطرَّق إلى بولس الرسول وتعليمه عن المحبَّة. حيث تَرِد عبارة المحبَّة أو مرادفاتها والقريبة إليها حوالي مئة مرَّة. وكلّنا نتذوَّق بلا ملل نشيد المحبَّة، حيث يؤكِّد بولس في نهايته قائلاً: "الآن يثبت الإيمان والرجاء والمحبَّة، هذه الثلاثة، لكن أعظمهنَّ المحبَّة" ( 1 كورنتوس 13:13).
لقد عالجتُ موضوع المحبَّة في رسالتي لعيد الفصح والقيامة عام 2006 في رسالة بعنوان: المحبَّة قيامة.
واليوم ومن خلال تأمّلي في سرّ الميلاد والتجسُّد وحياة يسوع وتعاليمه وعجائبه وأمثاله، أكتشف بعمقٍ جديد أنَّ المسيحيَّة تختصر بالمحبَّة، بهذه الصفة الإلهيَّة والإنسانيَّة: الله المحبّ البشر! وظهور الله في الميلاد هو ظهور الله المحبّ البشر. وهكذا نتحقَّق أنَّ:
ظهور الله هو ظهور محبَّة الله المحبّ البشر!
ظهور المسيح هو ظهور محبَّة الله المحبّ البشر!
ميلاد المسيح هو ظهور وميلاد محبَّة الله المحبّ البشر!

لقد ظهرت نعمة الله
هذه الآية من رسالة القدّيس بولس إلى تيطس (11:2) هي التي أصبحت اسم العيد الكبير الذي نحتفل به في السادس من كانون الثاني ويدعى: ((ظهور ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح المقدّس)). ويدعى في لسان العامة: عيد الظهور الإلهي، وأيضًا عيد الغطاس أو عيد العماد. وهو عيد الميلاد القديم في الكنيسة الشرقيّة، وهو يعني بنوع عام ظهور المسيح الإله واعتلانه للعالم، أولاً في الميلاد وسجود المجوس، ثمَّ في المعموديَّة في نهر الأردن على يد يوحنّا المعمدان واعتلان (أو ظهور) الثالوث القدّوسالآب والابن والرّوح القدس أثناء المعموديَّة. وهذا ما نقوله في أناشيد العيد: ((في اعتمادك يا ربّ في نهر الأردن ظهر السجود للثالوث)). وأيضًا: ((اليوم ظهرتَ للمسكونة يا ربّ، ونورك قد ارتسم علينا. لقد أتيتَ وظهرتَ أيّها النور الذي لا يدنى منه)). وإلى هذا تشير صلوات العيد:
"ظهرتَ في العالم يا مخلِّص العالم لكي تنير الجالسين في الظلام يا محبّ البشر المجد لك."
"ظهرت بجودتك للخطأة والعشاّرين لأنَّه أين يشرق نورك؟ إلاّ للجالسين في الظلام. المجد لك" (غروب بارامون عيد الغطاس).
وكان المؤمنون قديمًا يعيّدونَ بعضهم بعضًا في هذا العيد بهذه العبارة: ((لقد ظهر المسيح في الأردن)) وهذا هو معنى تكريس المنازل في هذا العيد: المسيح ظهر وبظهوره قدّس المسكونة كلّها.
هل نعي معنى ظهور المسيح في حياتنا والتحدّي الكبير الذي يفرضه في مسلكيتنا وخلقيّتنا ومسؤوليّتنا في العالم، في المجتمع؟
إلى هذا تدعونا صلواتنا: "إنَّ الخالق أظهر لنا نحن الذين أبدعهم خليقة جديدة وذلك بظهوره مولودًا من بطن بلا زرع" (المدائح – البيت 13).
يقول لنا بولس في رسالته إلى أهل كولسي (4:3-5 و 9-10) "يا إخوة متى ظهر المسيح تظهرون أنتم أيضًا معه بمجد. فأميتوا إذن أعضاءكم التي في الأرض، الزنى والنجاسة والهوى والشهوة والرديئة والطمع... إخلعوا الإنسان العتيق مع أعماله. والبسوا الإنسان الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة على صورة خالقه".
وفي رسالته إلى تيطس يقول: "لقد ظهرت نعمة الله المخلّصة جميع الناس مؤدِّبة إيانا لننكر الكفر والشهوات العالمية... فلمَّا ظهر لطف الله مخلّصنا ومحبَّته للبشر، خلَّصنا هو، لا اعتبارًا لأعمال برٍّ عملناها، بل بحسب رحمته، بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تيطوس 11:2-12 و 4:3-5).
الله يَظهر للناس لكي يؤلِّههم، يرفعهم، يؤلِّقهم.
الإنسان يختبئ في الفردوس من أمام وجه الله.
الله يتمشَّى في الجنَّة، يفتّش عن آدم: آدم أين أنت؟ ويجيب آدم: لقد اختبأت لأنَّني كنت عريانًا (تكوين 9:3-10).
العري هو فقدان النعمة! فقدان حضور الله المحبّ البشر في حياة الإنسان... الإنسان يبتعد عن الله... يستغني عن الله... يستقل عن الله... يصبح قطبَ ذاته... يتقوقع بالتكنولوجيا المعاصرة... ويصبح عالماً مستقلاً عن الله وعن الآخر...
كم نتأثَّر عندما نرى إنسانًا كبيرًا، رئيسًا، وزيرًا، ملكًا، بابا، رئيس جمهوريَّة... يتنازل، يخالط الناس، يتزيَّ بزيٍّ بسيط غير زيّ سلطته أو وظيفته... ونفرح بذلك ونرى في ذلك علامة محبَّة مميَّزة.
هذا الملك العظيم، هو يسوع المحبّ البشر، المولود في مغارة بيت لحم! وهو مع ذلك الإله الذي قبل الدهور، وهو أيضًا الإله المحبّ البشر!
التجسّد هو قربُ الله من البشر... الميلاد هو قربُ الله المحبّ للبشر من البشر!
الله يتقرّب من الناس... والإنسان يحاول الابتعاد عن الله... لا يريد أن يتدخَّل اللهُ في حياته، وفي تصرّفه، وفي مصيره...
عيد الميلاد يعود كلَّ سنة لكي يذكِّرنا بالحدث العظيم: ظهور الله المحبّ البشر للبشر خليقته!
سلسلة الأحداث والأعياد والقراءَات من العهد القديم والجديد كلّها تعتبر مقدِّمة لعيد الميلاد. وتتتالى أحداث التجسّد حتى 2 شباط وعيد دخول السيِّد إلى الهيكل، وحتى عيد الظهور في 6 ك2 أو عيد العماد، أو عيد بدء حياة يسوع العلنيَّة. وحياته كلّها هي إظهار لمحبَّة الله للبشر: تعاليمه! أمثاله! عجائبه!... كلّها علامات محبَّته للبشر!
الملفت أنَّ عبارة "الإله المحبّ البشر" هي الأكثر ورودًا في الصلوات والأناشيد الطقسيَّة، لاسيَّما في الطقس اليوناني (البيزنطي).

المسيحيُّ يُظهر المسيح
ظهور يسوع مهم... واليوم ظهوركَ كمسيحي بهويَّتكَ الكاملة الإنسانية والمسيحية يظهر يسوع...
ظهوركَ أنت أيّها المسيحي في حياتكَ المسيحيَّة، في المجتمع في السياسة، في العمل، في العلاقات مع كلّ إنسان بالمطلق بدون تمييز الدين والعرق والجنس... يجب أن يكون ظهور الله المحبّ البشر!
من هنا أهمية الالتزام الاجتماعي بقضايا المجتمع والناس (والفقراء... والبعيدين...).من هنا معنى الدور المسيحي... الإنساني...
كلمة غاندي : أحببتُ مسيحكم وأبغضتُ مسيحيتكم! لأنَّنا لا نُظهر المسيح المحبّ البشر من خلال حياتنا.ولهذا قيل: "إن اسم الله يُجدِّف عليه بين الأمم بسببكم" (رومانيون 24:2) (راجع حزقيال 20:36-22).
أذكر ردَّة فعل (SMS) أحدهم على مظهر قبلة السلام في آخر السينودس بين المطارنة ومع البطريرك: أحببتُ كنيستكم وطقسكم بسبب هذا المشهد الذي يُعبِّر عن المحبَّة فيما بينكم!
ظهور المسيح المحبّ البشر يتحقَّق من خلال حياة المسيحيين، في تاريخ الكنيسة، في حياة القدّيسين، في الأيقونات المقدَّسة، في جمال الكنائس! في محبَّة الفقراء،في إظهار جمال تعاليم الإنجيل المقدّس:كل ذلك ظهور المسيح المحبّ البشر.
هناك علمانيَّةٌ تريد أو تحاول أن تجعل الإيمان في المخدع، داخل جدار الكنيسة بدون حضور أو تأثير في المجتمع. هذه العلمانيَّة مرفوضة. هذا مخالف لتعليم السيِّد المسيح الذي يقول لنا:
"لا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال بل على المنارة ليضيء لمن في البيت" (متى 15:5) ويقول يسوع: "هكذا فليضئ نوركم قدام الناس" (متى 16:5). وهذا هو عنوان رسالة قداسة البابا فرنسيس الأول التي هي متابعة خط ورسالة البابا بندكتوس: "نور الإيمان". ظهور المسيح مهدَّد اليوم بسبب العلمانيَّة التي أصبحت ديانة اليوم!
يقول بولس الرسول: "الخليقة تئنُّ منتظرة تجلِّي أبناء الله".(رو 8: 19)
هذه الخليقة هو عالمنا المشرقي. والمسيح يتجلَّى ويظهر فيه من خلالنا ووجودنا وحياتنا المسيحيَّة ومسلكنا المسيحي وأخلاقنا المسيحيَّة وأعيادنا وعاداتنا وتقاليدنا ومزاراتنا...

    ظهور الله المحبَّة، يعني ظهور محبَّة الله للبشر، ومحبَّة البشر لبعضهم البعض  
  
كيف يُظهِرُ تبَّاعُ المسيح الإلهَ المحبَّ البشر، اللهَ المحبَّة؟ إنَّهم يُظهرونه بالمحبَّة...
من هنا الآية المعروفة: "بهذا يعرف الناس أنَّكم تلاميذي، إذا كنتم تحبّون بعضكم بعضًا" (يوحنا 35:13). وهكذا باقي الآيات التي تتكلَّم عن علاقة ظهور المسيح بالمحبَّة وظهور تلاميذ المسيح بالمحبَّة...
ومن هنا أيضًا مقولة (ترتليانوس) عن المسيحيين الأوائل، وعن العلاقة الفارقة المميَّزة التي تميِّزهم عن الآخرين، ولنقل تظهرهم للآخرين: "أنظروا كيف يُحبُّون بعضهم بعضًا..."
وعندما دمع يسوع على صديقه لعازر، تعجَّب اليهود الذين أتوا ليعزَّوا أختيه مرتا ومريم، وقالوا: أنظروا كيف كان يحبّه. (يوحنّا 36:11).
إذًا يُظهر أبناءُ الله المحبَّة، بعيش المحبَّة. وقد جعل يسوع المحبَّة دستور ظهورهم، ومسلكهم في المجتمع والتزامهم قضايا مجتمعهم وخدمتهم وعطائهم وغيرتهم وسخائهم وانتمائهم...
وتَظهر الكنيسةُ الخادمة من خلال المحبَّة وأعمال الرحمة والمحبَّة والمشاريع الخيريَّة والتربويَّة...
هكذا كان حال الجماعة المسيحيَّة الأولى: كان كلّ شيء مشتركًا بينهم... وكانوا روحًا واحدًا وقلبًا واحدًا... وهذا كان شعار السينودس لأجل الكنيسة في الشرق الأوسط. وكان عنوانه الملفت الجميل: شركة وشهادة. كم هو جميل أن يكون شعار الإرشاد الرسولي هذه الآيات من أعمال الرسل التي تصف حياة الجماعة المسيحيَّة الأولى.
اليوم نحتاج إلى فهم دور الكنيسة ودور أبناء وبنات الكنيسة من خلال هذه الرؤية اللاهوتيَّة الإنسانيَّة والآلهيَّة.
وكيف ظهرت الكنيسة في مجتمعنا العربي؟ ظهرت من خلال محبَّتها وخدمتها ومؤسَّساتها ومشاريعها...

ظهور المسيح والمسيحي في العالم العربي
هذا العالم هو عالمنا العربي ذو الأغلبيَّة المسلمة، يحتاج إلى ظهور المسيح فيه من خلالنا. جاء في القرآن الكريم: "لستم على شيء إن لم تقيموا التوارة والإنجيل" (سورة المائدة 86:5). من يُقيم التوارة والإنجيل ؟
عالمنا العربي الإسلامي بحاجة إلينا. فلا نَحرم عالَمَنا وجودَنا وحضورَنا وشهادتَنا، وذلك سواء بعدم سلوكنا سلوكًا مسيحيًّا يُظهر المسيح ويُبرهن على جمال تعاليم الإنجيل ويسوع، أو بسبب غيابنا وعدم تأثيرنا في مجتمعنا... أو إذا تقلَّص عددنا وهاجرنا!
53 قرية حول نابلس في فلسطين كانت مسيحيَّة. حاليًّا فيها الكنيسة والمقبرة! ولا مسيحيّون! بل فقط أرزاقهم وبيوتهم الفارغة...
الوجود المسيحي هنا، هو إظهار المسيح الربّ المحبّ البشر. هو حضورٌ حقٌّ وواجبٌ ورسالةٌ وخدمة.
لا أريد أن أكون متكبِّرًا، فأنا من قومٍ لا يستكبرون! ولا أريد أن أكون أكثر عروبة من العرب! فأقول بدوننا نحن المسيحيين لا عروبة! وقد قال أحد كبار المسلمين: العالم العربي الإسلامي يحتاج إلى الحضور المسيحي ليكون إسلاميًّا عربيًّا، ولكي يتحقَّق فيه العيش المشترك والديموقراطيَّة والعدالة الاجتماعيَّة والانفتاح...
أذكر من جديد كلمة السيِّد محمد حسنين هيكل عن التحوّل في النسيج الاجتماعي العربي: "لي ملاحظة تتعلَّق بمسيحيي الشرق. هناك ظاهرةُ هجرةٍ بينهم يصعب تحويل الأنظار عنها أو إغفال أمرها أو تجاهل أسبابها، حتى وإن كانت الأسباب نفسيَّة، تتصل بالمناخ السائد أكثر مما تتصل بالحقائق الواقعة فيه. أشعر أنَّ المشهد العربي كلّه سوف يختلف إنسانيًا وحضاريًا، وسوف يصبح على وجه التأكيد أكثر فقرًا وأقل ثراءً لو أنَّ ما يجري الآن من هجرة مسيحيي الشرق تُرِكَ أمره للتجاهل أو التغافل أو للمخاوف حتى وإن لم يكن لها أساس. أي خسارة لو أحسَّ مسيحييو الشرق، بحق أو بغير حق، أنَّه لا مستقبل لهم ولأولادهم فيه، ثمَّ بقي الإسلام وحيدًا في المشرق لا يؤنس وحدتَه غيرُ وجود اليهوديَّة الصهيونيَّة بالتحديد أمامه في إسرائيل".
وبرهان ذلك المؤتمر الذي دعا إليه جلالة الملك الأردني عبد الله الثاني ورعاه وأداره الأمير غازي بن محمد ( في 3 و4 أيلول 2013) بعنوان: "التحدّيات التي تواجه المسيحيين العرب". وقد عرض المشاركون بطاركة ورعاة... هذه التحديات. وعلينا كمسيحيين أن نعمل على إزالتها بالتعاون مع المسلمين لكي لا نهاجر. وقد ذكرتها في كلمتي في المؤتمر، وهذه مقاطع منها:

التحدّيات التي تواجه المسيحيين العرب
ظهور المسيحي ورسالته ودوره تواجهها تحدِّيات متنوِّعة. أختصرها في مايلي:
"التَّحديات التي تواجه المسيحيين العرب، هي تحدِّيات تواجه المواطن العربي. وهي مشتركة بين المسيحيين والمسلمين، مع بعض التفاوت.
هذه التَّحدِّيات نابعة من شروط الحياة اليوميَّة.
التَّحدِّي أمام المسيحي العربي، أن يُعتَبَر ويَعتبِر ذاته أنَّه أوَّلاً عربي ثمَّ مسيحي.
التَّحدِّي للمسيحي هو أن يكون مواطنًا بكلِّ معنى عبارة المواطنة.
    التَّحدِّي للمسيحي أن تؤمَّن له حرِّيَّة العبادة والمعتقد بدون قيود تُفرَض عليه، ولا تُفرَض على أخيه المسلم.
التَّحدِّي للمسيحي أن تؤمَّن له فرصة الدَّرس والعمل والوظيفة ولقمة العيش مثل أخيه المسلم.
    التَّحدِّي للمسيحي هو ألاَّ يشعر أنَّه مواطن من الدَّرجة الثانية لأنَّه ليس مسلمًا.
    التَّحدِّي للمسيحي هو أنَّه يُحبُّ أن يسمع آيات الإنجيل المقدَّس في وسائل الإعلام كما يسمع باحترام وتقدير آيات القرآن الكريم.
    التَّحدِّي للمسيحي هو أن تعكس مناهج التعليم في كلِّ درجاته روح الحرِّيَّة الدِّينيَّة والمساواة وقبول الآخر واحترام دينه ومعتقده. وأن يؤمَّن التَّعليم الدِّيني لجميع الطُّلاب بدون تمييز وكلٌّ حسب دينه ومعتقده.
    التَّحدِّي للمسيحي أن يكتشف دوره في مجتمعه العربي، ويشعر أنَّه شريكٌ في وطنه بكلِّ صفات الشراكة.
التَّحدِّي للمسيحي أن يعمل المسيحيُّون والمسلمون معًا لأجل تطوير مجتمعاتهم التي هي الحاضن الحقيقي للقيَم المذكورة أعلاه والتي تؤمِّن العيش المشترك الحقيقي.
    التَّحدِّي للمسيحي أن يشعر بأنَّ المسلم أخاه هو ضمانته وضمانة أمنه واستقراره.
    التَّحدِّي للمسيحي هو انقسام العالم العربي الذي هو سبب آفات مجتمعنا بمسيحيِّيه ومسلميه.
أعطوني عالماً عربيًّا إسلاميًّا متَّحدًا، أضمن لكم بقاء كلّ أولادي المسيحيين، وعدم هجرتهم.
    التَّحدِّي للمسيحي هو أنَّه يشعر أنَّه مستثنى، مهمَّش... وهذا يحمله على أن يقع في تجربة القوقعة، والانزواء، وعدم الدُّخول في الأحزاب، وعدم المشاركة في الحياة السياسيَّة والهجرة...
    أعطوا المسيحي دورًا، فرصةً، مكانًا، حصَّةً، مشاركة... أضمن لكم حلَّ الكمِّ الأكبر من مشاكل المسيحيين والتَّحدِّيَّات التي تواجههم.
    التَّحدِّي للمسيحي هو أن ينجح بأن يُشعر المسلم أنَّه شريكٌ له في الوطن وفي كلِّ مرافق الحياة. ولا يسمع فقط الشعار: الإسلام هو الحلّ! بل فلنقل المسيحيَّة والإسلام! هذا هو الحلّ.
    التَّحدِّي للمسيحي هو أن يشارك في نهضة الأمَّة العربيَّة والإسلاميَّة. ولا سيَّما وأنَّ لديه طاقاتٍ جبَّارة ليكون شريكًا لأخيه المسلم في تطوُّر مجتمعه ووطنه وبلدته وقريته وحيِّه.
    المسيحي لديه طاقاتٌ جبَّارة، وعلى المسلم أخيه وجاره وشريكه في الوطن والمواطنة أن يستفيد من هذه الطَّاقات، وهي متوفِّرة في مدارسنا المسيحيَّة ومؤسَّساتنا الخيريَّة والاجتماعيَّة والطبِّيَّة والثقافيَّة والتربويَّة والفنِّيَّة والتقنيَّة، وهي مفتوحة للجميع، ويستفيد منها عدديًّا المسلم أكثر من المسيحيّ.
التَّحدِّي للمسيحي اليوم في العالم العربي أن يشعر بأنَّ العالم العربي والإسلامي بحاجة إليه، يُقدِّر حضوره، نشاطه وخدماته...
    التَّحدِّي للمسيحي اليوم في العالم العربي أن يَشعُرَ بأنَّ الكنيسة في المشرق العربي ذي الأغلبيَّة المسلمة، هي كنيسة العرب وكنيسة الإسلام. هي كنيسة مع هذا العالم العربي ولأجل هذا العالم العربي، لأجل ازدهاره وتقدُّمه وتعمل لأجل إبراز صورة الإسلام من خلال واقع الحياة في الدَّاخل والخارج.
    التَّحدِّي أن يشعر المسيحي أنَّ أمنه من أمن أخيه المسلم. وأن يشعر المسلم أنَّ أمنه من أمن أخيه المسيحي.
التَّحدِّي للمسيحي في العالم العربي، وفيما يُسمَّى الرَّبيع العربي، أن يكون له دور في تطوُّر الأوضاع في العالم العربي، وفي حلِّ الأزمة في كلّ بلدٍ عربيّ. فلا يجوز أن يُهمَّش أو يُستثنى أو يُنسى أو تُداس حقوقه وهويَّته.
    فالمسيحيُّ جزءٌ لا يتجزَّأ من العالم العربي ومن أزماته ومشاكله وتحدِّياته، كما هو جزءٌ من حلِّها وبناء المستقبل الأفضل للأجيال الطَّالعة.
من كبريات التحديات أمام المسيحي في المجتمع العربي ذي الأغلبيَّة المسلمة، هو انقسام العالم العربي. والأكثر خطرًا انقسام العالم الإسلامي ونموّ الحركات التكفيريَّة الإسلاميَّة، والحركات الإسلاميَّة التي لا مجال فيها للآخر، للفكر الآخر، للرأي الآخر...
ومن كبريات التحديات للمسيحي في مجتمعه العربي هو دمج الدين والدولة والمجتمع في واحد. مما يمهِّد الطريق لتجاوزات تسيء إلى المواطنين وإلى المساواة وإلى الحريّات على أنواعها.
وهناك تحدٍ آخر مرتبط بالتحدّي السابق هو مفهوم الأمة. هذا المفهوم يمكن أن يلغي فكرة الوطن والمواطنة وتعدّد فئات المواطنين والنسيج التعدّدي والمجتمع التعدّدي.
وما يريح المسيحي هو أن يصير حوار مسلم مسلم حول هذه التحدّيات التي تواجه المسيحي. وهذا هو غاية هذا المؤتمر."
مسؤوليَّة مشتركة
هذه التحدِّيت على أنواعها، والتعامل معها، والأجوبة عليها مسؤوليَّة مشتركة مسيحيَّة إسلاميَّة
المسيحيّون يخافون من نموّ وانتشار الحركات التكفيريَّة المتطرِّفة. والمسلمون أيضًا يخافون منها. وكلّنا مسيحييون ومسلمون سنذهب ضحيَّتها. وهذا ما خبرناه في هاتين السنتين في سورية ومصر والعراق...
    ولهذا فإنَّني كمسيحي عربي جذوري عربيَّة (من الغساسنة) قبل الإسلام، إذا لم أكن أنا عربيًّا فالمسلم أيضًا ليس عربيًّا. لأنَّنا كلّنا مسيحيين ومسلمين من أصل واحد. ولا ننسى أنَّ أصل كثيرين من المسلمين هو المسيحيَّة، أقلّه في سورية. إذن كمسيحي عربي أُحذِّر إخوتي المسلمين من مؤامرات تحاك على الإسلام، ومن قِبَل المسلمين أنفسهم. ومن مصلحة المسلمين أن يحاربوا التكفير والتطرّف. ولنقف صفًا واحدًا مسيحيين ومسلمين أمام هذا التطرّف. وإلاّ فإنَّنا كمسيحيين سنهاجر! ويكون المسلمون سبب هجرتنا، أو بالحري الإسلام المتطرّف أو المسلم المتطرَّف التكفيري.

تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة
من جهة أخرى فإنَّ عدم حلّ القضيَّة الفلسطينيَّة وعجز العرب والمسلمين عن حلِّها هو الذي يُعرِّض الإسلام للمزيد من التطرّف والتكفير والانحراف. وهذا هو أيضًا السبب الأكبر في هجرة المسيحيين والمسلمين أيضًا. لأنَّ هذا الصراع العربي الإسرائيلي الفلسطيني هو الذي تسبَّب في سلسلة وتسلسل أزمات ما زالت تتوالىعلى العرب مسيحيين ومسلمين في فلسطين وخارجها منذ عام 1948. ولدينا البراهين الواضحة مشفوعة بالإحصائيَّات والأرقام، التي تشير إلى موجات هجرة المسيحيين بالذات وبنوع خاص أيضًا المسلمين، التي كانت تلي كلّ أزمة! فكلّ أزمة كانت تتبعها موجة من هجرة المسيحيين!
وعدم حلّ هذا الصراع جعل العرب يتلهّون ويتاجرون بالقضيَّة الفلسطينيَّة، ولا يطوِّرون شعوبهم، ويقهرونها ويعنِّفونها متاجرين بقضيَّة الفلسطينيين... وأقول ذلك لأنَّني عشت معاناة الفلسطينيين في فلسطين على مدى 26 سنة (1974 – 2000) ولا أزال أعيشها، وهي في أولويات رسالتي وخدمتي البطريركيَّة.
    عدم حلّ القضيَّة الفلسطينيَّة والصراع  الفلسطيني العربي الإسرائيلي خدَّر الأمَّة العربيَّة كلّها والعالم العربي والدول العربيَّة، وغالبيَّتها تدين بالإسلام. مما انعكس على الإسلام والمسلمين سلبًا، وحال دون تطوّر البلاد العربيَّة نحو الأفضل.
    كما كان أيضًا السبب في قسمة العالم العربي، وحالَ دون وحدته الحقيقيَّة وتقدُّم شعوبه. هكذا ما زالت نسبة الأميَّة مرتفعة وهناك فقر وجوع... وهناك أيضًا أنظمة لا تساعد على التطوُّر الحقيقي البشري والإنساني، ولاسيَّما في مجال حقوق المرأة والتطوُّر العلمي وسواه.
    ونعرف كلّنا أنَّه قلما نجا قائد عربي من تهمة الخيانة للقضيَّة الفلسطينيَّة... وكم ساعد هذا النزاع والصراع في تأجيج المشاعر وإذكاءالبغضاء والكراهية والحقد... وعنَّف أجيالاً برمتها وشحنها بالثأر والعداء... وكأن هذا الصراع سرطان في جسم العالم العربي...
    ناهيك عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين في البلاد العربيَّة الشقيقة الحاضنة!!! إذأبقت الدول العربيَّة الأشقّاءَ الفلسطينيين في مخيماتهم، التي كثيرًا ما تحوَّلت إلى سجون وغيتوهات ومعسكرات وبؤرِ فسادٍ وأحزابٍ متقاتلة ومتطرفين حاقدين...
هذه كلّها مسؤوليَّة الدول العربيَّة بدرجة أولى. وهذا كلّه نتيجة انقسام العالم العربي وتشرذمه، وتفضيل مصالح كلّ بلد وفئة وحزب على مصالح الشعوب، وبالتحديد على مصالح الفلسطينيين. وهذا كلّه انعكس بنوع خاص على الوجود المسيحي.
ولهذا نخاطب الإخوة المسلمين: إذا كنتم تريدون أن يبقى المسيحيون معكم في بلدهم وأرضهم وتراثهم، فهناك أمران هامّان: حلّ القضيَّة الفلسطينيَّة والعمل بجد على تطوير قِيَم الإسلام الحنيف الحقيقي، بعيدًا عن الإسلام السياسي والتكفيري والسلفي وعن كلّ الأوصاف السلبيَّة التي تُلصَق بلإسلام. وعلى الإسلام والمسلمين أن يَحموا إسلامهم من هذه التيارات التي تسيئ أولاً إلى الإسلام عربيًّا وعالميًّا، كما تتسبَّب بقسطٍ كبير بهجرة المسيحيين العرب، وتحرم العالم العربي والشرق المسيحي مهد المسيحيَّة، من حضورهم ودورهم ورسالتهم الرائعة التي قاموا بها خدمةً للعالم العربي والإسلامي على مدى العصور كلّها، ومنذ نشأة المسيحيين قبل أكثر من ألفي سنة!

دور المسيحيين في مهد المسيحيَّة: إظهار المسيح المحبّ البشر
هذا الإله المحبّ البشر يدعو جميع البشر إلى محبَّته، وإلى إظهار محبَّته للبشر من خلال البشر.
هذا الإله المحبّ البشر، على كلّ البشر أن يحملوا محبَّته إلى جميع البشر أترابهم. على تلاميذه والمؤمنين به أن يُظهروا للعالم مثل مريم العذراء أمّه الطاهرة، أن يُظهروا هذا الإله المحبّ البشر!
مريم ابنة هذا المشرق، إبنة الناصرة، إبنة فلسطين، أظهرت الربَّ المحبَّ البشر، في أرضنا، في بيت لحم، في الناصرة، في الضفّة الغربيّة، في مشرقنا العربي...
واليوم من يُظهر الربَّ يسوع المحبَّ البشر؟ إنَّهم أولئك المسيحيّون الذين دُعوا أولاً مسيحيين في أنطاكية، وفي دمشق، وفي صور وصيدا وفي هذا الشرق المسيحي مهد المسيحيَّة.
أنتَ ابن مريم التي أظهرتِ المسيحَ الربّ المحبّ البشر! هل يمكنكَ أن تتنصَّل من رسالة أمّك، ومن وظيفة أمّك، ومن دور أمّك، ومن شرف أمّك مريم التي أظهرت المسيح المحبّ البشر وأعطته لهذا العالم المشرقي، ومن خلاله أعطته للعالم بأسره انطلاقًا من الشرق؟
أتتقاعس عن هذا الدور المريمي، الذي أصبح دورك بحكم تاريخك وجغرافيَّتك وتراثك ولغتك وتقاليدك وكنائسك وأديارك وقدّيسيك...؟!
ومَنْ سواك يمكنه أن يقوم بهذه الرسالة، وهذا الدور وهذه المهمَّة، وهذه الوظيفة، وهذا العمل؟ ومع العلم أنَّه إذا لم تقم به أنت فلا أحد غيرك يمكنه أن يقوم به إطلاقًا!
    هذا هو فحوى رسالتي الميلاديَّة لهذا العام! رسالتي مختصرة واضحة: مريم أظهرت المسيح المحبّ البشر! اليوم من يُظهر المسيح الربَّ المحبّ البشر، هنا في سورية ولبنان وفلسطين والأردن ومصر والعراق والكويت والخليج العربي وحتى في السعودية، وفي كلّ أرجاء هذا الوطن العربي الذي نحن فيه السكان الأصليون المسيحيّون العرب قبل الإسلام ومع الإسلام على مدى 1435 سنة، ومع اليهود، ومع سكان هذا المشرق العربي بجميع طوائفه؟ من يُظهر المسيحَ الربَّ المحبّ البشر سواك أنت المسيحي؟ وأنتَ الشاب وأنتِ الشابة؟ أنتَ الوزير المسيحي والنائب المسيحي والتاجر المسيحي والطبيب المسيحي والجندي المسيحي، والسياسي المسيحي؟
من يقرع جرس الكنيسة؟ من يعتمد في جرن المعموديَّةويُدهن بالميرون المقدّس؟ على رأس من توضع أكاليل الزواج المسيحي المقدّس؟ من يُقبِّل الأيقونات المقدَّسة؟ من يُرنِّم بأناشيد القيامة والأعياد المقدَّسة؟ من يحتفل بعيد جاورجيوس والياس وحنّا وتقلا وبربارة... من يحتفل بعيد الميلاد ومن يُزيِّن شجرة الميلاد... ومن يزيِّن مغارة الميلاد ويوقد أنوارها... ومن يحتفل بعيد القيامة المجيدة، ويهتف المسيح قام! ويجيب حقًا قام!
بدونك يا أخي المسيحي! يا أختي المسيحيَّة! هذا كلّه يتبدَّد ويُبدَّد! بسبب أحداث سورية أكثر من ثلاثين كنيسة لم يُقرع فيها جرس، ولم تُقَم فيها صلاة ولم يعظ فيها كاهن، ولم يُحتفَل فيهابالقدّاس الإلهي... ولم يعمَّد فيها طفل! ولم يكلَّل فيها عروسان! ولم يرنَّم فيها نشيد! ولم ترتفع فيها أيادٍ ضارعة! ولم يدخل فيها طفل رضيع إلى هيكل الربّ! ولم تتلَ صلاة الجنازة على راقدٍ انتقل إلى الله شهيدًا أو مريضًا أو عاجزًا. ولم يُسرَج فيها قنديل بزيت زيتون حقولنا! ولم توقد فيها شمعةٌ تشير إلى المسيح نور كلّ إنسان آتٍ إلى العالم، ولم تصعد فيها رائحة بخورٍ زكيّة، ولم يَصدَح فيها صوتُ مرنّمٍ أو نشيدُ جوقةٍ ملهمة مطربة! ولم تُقرع أجراس القيامة، ولم يكن زياح أحد الشعانين، ولم يطف بالأطفال بشموعهم وثيابهم البيضاء.
بدونك أيُّها المسيحي المشرقي لن يسمعَ أخٌ مسلمٌ جرسَ كنيسةٍ ولا نشيدَ منشدٍ ولا جوقةَ فرحٍ أو قريةٍ أو ديرٍ أو جماعةٍ، ولن تكون مسيراتٌ مريميَّة، ولن تُسمعَ الأناشيدُ المريميَّة، ولن تُقامَ زياحاتٌ ولا تطوافاتٌ بأيقونةٍ أو صليبٍ أو صورةِ قدّيسٍ من بلادنا ومن عائلاتنا وقرانا...
من يقول المسيح ربّ؟ ومن يقول المسيح قام! من يقول ميلاد سعيد؟ وفصح مجيد؟ من يبادل المسلمين التهاني بأعيادهم، ومن يبادلنا التهاني بأعيادنا؟ ومن يتابع العيش المشترك؟ ومن يكون ملحَ الأرض العربيَّة ونورَ المسيح في مشرقه وخميرةَ الخير في مجتمعاته؟ ومن يتلو الإنجيل؟ ومن يرنِّم مدائح العذراء مريم أو يصلّي مسبحتها أو يزور مقاماتها...
هذا كلّه هو إظهار المسيح الربّ المحبّ البشر! وهذا كلّه سيزول بدونك أيُّها المؤمن المسيحي المشرقي!
بكَ يظهر المسيح الربّ المحبّ البشر! وبدونك لا يظهر المسيحُ، ولا إنجيلهُ ولا قيمُهُ ولا تعاليمُهُ ولا عجائبُهُ...
مريم تظهر الربّ المحبّ البشر!
الميلاد ظهور المسيح الربّ المحبّ البشر!
المسيحيَّة هي ظهور المسيح الربّ المحبّ البشر!
المسيحي الحقيقي هو الذي يظهر المسيح الربّ المحبّ البشر!
نريد مسيحيين قادرين أن يُظهروا المسيحَ الربَّ المحبَّ البشر، وأن يُظهِرُوا الإنجيلَ وقيمَه وتعاليمَ السيِّدِ المسيح وعجائبَه! نريد مسيحيين يُظهرون المسيحَ في حياتهم ومسلكهم وعملهم وحضورهم وشهادتهم وانتمائهم وانخراطهم في مجتمعهم وعملهم السياسي وخدماتهم في كلّ مرافق حياة مجتمعهم.
الكنيسة هي جماعة مؤمنين قادرين أن يظهروا المسيح الربّ المحبّ البشر... كنيسة هويَّتها واضحة ناصعة ثابتة صامدة، هوية ظاهرة أمام الجميع، تؤدّي دورها ورسالتها أمام الجميع بدون خجل أو حياء أو خوف أو ذلٍّ... إنَّ حرصنا على الوجود المسيحي هو نابع من هذه القناعات.

الدعوة إلى البقاء هنا وعدم الهجرة!
لهذا ندعو مؤمنينا إلى الصبر في الضيقات، لاسيَّما في خضم الأزمات الخانقة المدمِّرة الدامية المأساويَّة في عالمنا العربي، ولاسيَّما في سورية، وأيضًا في العراق ومصر ولبنان بدرجات متفاوتة...
ولهذا ندعو إلى عدم الهجرة والثبات في الأرض والقرية والحي بالرغم من الصعوبة التي كلّنا نعرفها، ونشعر بها، ونتألَّم لأجل ألم ومعاناة إخوتنا وأخواتنا، ونترحَّم على شهدائنا، ونتوجَّع مع أوجاع وجراحات وإعاقات وآلام جرحانا في المشافي والبيوت... ونبذل أقصى الجهود لنخفِّف معاناة الملايين من مواطنينا النازحين في الداخل أو إلى الخارج ولأجل إعتاق سراح المخطوفين مطارنة وكهنة ومؤمنين...
أجل نريد أن نحافظ على هذا الوجود المسيحي القوي، المؤمن، المقتنع، الصامد، العميق، المنفتح المتفاعل المتحاور، الفاعل المؤثِّر، الهادئ الشاهد، القادر على حمل الشهادة والراية والقيم والرؤية المسيحيَّة الحقيقيَّة، في مجتمعه ذي الأغلبيَّة المسلمة لكي يكون مع هذا المجتمع ولأجل هذا المجتمع لكي يَظهر فيه المسيحُ الربُّ المحبُّ البشر الإلهُ الكثيرُ المراحم، الذي تجسَّد وأتى إلى عالمنا لكي يحمل إلى الناس الإنجيل المقدَّس، أي بشرى الخير والإيمان والرجاء والمحبَّة. وأتى إلى أرضنا لكي يجمع أبناء الله، أبناء البشر المتفرقين إلى واحد، ويَهدمَ حائط العداوة بين البشر، وينشرَ راية السلام والمحبَّة والغفران والعدل والأخوَّة الشاملة. لأنَّ الجميع مخلوقون على صورة الله ومثاله، لكي تكون لهم جميعًا الحياة وتكون لهم بوفرة.
المسيحي القادر أن يصبر ويثبت ويحمل هذه الرسالة المقدَّسة، هذا هو الذي يصمد ولا يهاجر ويحتمل الآلام والويلات والمصائب ويقبل حتى الشهادة، لأجل أن يحمل إلى عالمه نور المسيح الذي هو النور الذي ينير كلّ إنسان آتٍ إلى العالم! كما نُعلن في ليترجيا قدّاس الصوم الكبير: "إنَّ نور المسيح يضيء للجميع".
نريد مثل هؤلاء المسيحيين! يحملون إلى مجتمعهم بشرى الإنجيل، بشرى الخير والسلام، ويُظهِرونَ في حياتهم وأعمالهم الربَّ يسوعَ الإلهَ المحبَّ البشر! هؤلاء يحافظون على الحضور المسيحي في الشرق!
وأحب أن أطلق هذا الشعار:
حضور مسيحي بدون الالتزام برسالة مسيحيَّة ودور مسيحي لا معنى له! ورسالة مسيحيَّة بدون حضور مسيحي غير ممكنة! ولذلك فإنَّه مهمّ جدًا أن نربط الحضور المسيحي بالرسالة المسيحيَّة والدور المسيحي!
إذا هاجرنا من يُظهر المسيح المحبّ البشر!
إذا أُغلقتْ أديارنا من يُظهر المسيح المحبّ البشر!
إذا أُغلقتْ كنائسُنا من يُظهر المسيح المحبّ البشر!
إذا اندثرتْ مؤسَّساتنا الخيريَّة والاجتماعيَّة، من يُظهر المسيح المحبّ البشر!
أنا ضد الهجرة. ولأجل هذه الأسباب أدعو إلى الحدّ منها، وإلى حدِّ وإزالة أسبابها.
أقول ذلك بكلّ حبٍّ لإخوتي أمام ضيق وآلام ومخاوف ومعاناة هذه الأيام، وفي الأزمة السوريَّة المأساويَّة الدامية المدمِّرة! أقول لهم مع ذلك: إبقَوا! بالرغم من شعوري العميق بآلامهم ومواكبتي لمعاناتهم. ولديَّ وثيقة بعنوان: يوميّات البطريرك المأساويَّة الدامية! ذلك أنَّني أعايش يوميًّا ويومًا بعد يوم هنا في سورية وخارجها ليلاً ونهارًا في حلّي وترحالي، بالتلفون أو في اللقاءات والمقابلات والاتصالات على أنواعها والمؤتمرات والمساعي لجمع المساعدات... أعيش أزمة سورية ومعاناة المواطنين جميعًا على اختلاف معتقدهم ودينهم وتوجّههم، ولاسيَّما إخوتي وأخواتي المسيحيين.
مع ذلك أقول لهم: لا تهاجروا! تصبَّروا! تجلَّدوا! تعلَّموا الصبر من إخوتنا المسلمين. لا تخافوا! اسمعوا كلمة يسوع وليس كلمتي. يقول لكم يسوع: لا تخافوا!
أنا لا أُلزِم أحدًا على البقاء! وأنا لم أتَّصل بأيَّة سفارة (كما يُشيَّع عني) لمنع إعطاء أيَّة تأشيرة سفر... ولكنّي أعظ وأكرز وأصرِّح وأنصح: إبقَوا هنا! وكم نلتُ من الاستحسان والتصفيق لهذا النداء! وأيضًا انتقادًا!
وسأبقى في هذا الخط. لأنَّني أريد أن أبقى لكي أُظهر المسيح المحبّ البشر هنا، الآن وغدًا... وأريد أن تبقوا أنتم أيضًا لكي تُظهروا معي المسيح الربّ المحبّ البشر هنا والآن وغدًا.ولكي نبقى نعمل معًا لأجل عالمٍ متعدِّد منفتح، حرٍّ، كريمٍ، وديموقراطيّ نكون أفضل بناته!
-    يجب أن نبقى معًا مسيحيِّين ومسلمين ونبني معًا سورية المتجدِّدة والعالم العربي المتجدِّد!
-    يمكن أن نبقى مسيحيِّين ومسلمين معًا ونبني معًا سورية المتجدِّدةوالعالم العربي المتجدِّد!
-    نريد أن نبقىمعًامسيحيِّين ومسلمين ونبني معًا سوريةالمتجدِّدة والعالم العربي المتجدِّد!
هذا بيت القصيد! وهذا معنى وجودي كمسيحيّ وكراعٍ وكبطريرك وكمواطن سوري عربي مسيحي!

راحيل تبكي على بنيها
    دموع كثيرة رافقت ميلاد السيِّد المسيح عندما قام الملك هيرودس بمجزرة أطفال بيت لحم من عمر سنتين وما دون، في محاولة لقتل المسيح في مهده.
    واليوم دموع كثيرة تتفجَّر في كلِّ مكان في مشرقنا العربي، لاسيَّما في سورية الحزينة ومصر والعراق. ويتم في عائلاتنا وأمهاتناقول النبي:"راحيل تبكي على بنيها وتأبى أن تتعزّى" (متى 18:2).
كنت بدأت أُعدّ رسالة الميلاد في شهر تموز 2013. أمَّا هذا المقطع الأخير فقد كتبته على أثر تفاقم أهوال الأزمة السوريَّة المتردّية يومًا بعد يوم، وبالضبط يوم الحادي والعشرين من آب 2013 الذي كان يومًا دمويًا أسود قاتمًا حزينًا، حيث كانت معركة حامية الوطيس حول دمشق، حيث قُتل 1300 شخصًا، وحيث سقطت حوالي 40 قذيفة في نواحي مختلفة من دمشق، ولا سيَّما على الأحياء حول باب توما وباب شرقي. هذه المنطقة التي فيها حوالي مئة أثر مسيحي: كنيسة، بطريركيَّة، مطرانيَّة، دير رهبان، راهبات، مدرسة، ميتم، مؤسَّسة اجتماعيَّة، بيت للمعوقين، مركز شباب، أخويَّة، جمعيَّة خيريَّة... وبين باب توما وباب شرقي...لقد وجدتُ نفسي حزينة، وبكيتُ في ذلك النهار على وضع بلدي الحبيب سورية. ووردت على خاطري العبارة التي تصف وضع راحيل الثكلى على أبنائها...
كما أنَّ هذه الأحداث المأساويَّة توالت على المنطقة في آب نفسه: في العراق (بدون توقف). وفي بيروت لاسيَّما تفجير الضاحية الجنوبيَّة من بيروت، وفي طرابلس، وفي مصر حيث سالت الدماء أنهارًا في كلّ أنحاء مصر. ودُمِّرَت أو تضرَّرت أو هوجمت حوالي مئة كنيسة، ودُمِّرَت جوامع ومؤسَّسات وحوانيت ومدارس...
هذه المآسي طالت بعواقبها وأذيالها كل رعايانا وأبرشيَّاتنا في لبنان وسورية ومصر والعراق. وبعض الشيء في الأردن. ففي سورية أحرقت ودُّمِرت وتضرَّرت بعض كنائسنا وبخاصَّة فيمعلولا التي تعتبر منأقدس وأقدم المواقع المسيحيَّة والتراث المسيحيومهد المسيحيَّة، وأيضًا في حمص والرقة ويبرود وصدد... وكافة أنحاء سورية... وهذا لم تعرفه سورية في تاريخها. وهو أعمال إجراميَّة غريبة عن تاريخ بلادنا العربيَّة عمومًا.
كلّنا أصبحنا راحيل الباكية الحزينة المفجوعة. ولا يزال الأطفال كما جرى في بيت لحم قبل ألفي سنة، ضحيَّة الحروب والنزاعات. وهم الآن نازحون، مشرَّدون مع أو بدون أهلهم. وقد نشرت إحصائيَّة ذكرت أنَّ هناك مليوني طفل سوري معنَّف أُصيبوا بأمراض نفسيَّة مدمِّرة.
أجل راحيل تبكي بنيها! سورية تبكي بنيها! كلّ أسرة تبكي بنيها! شهداءَها! مخطوفيها! مفقوديها! جرحاها! معوَّقيها!... أطفالها! رجالها! شبابها! نساءَها! كهولها! شيوخها! كهنتها! مطارنتها!
إلى الأم سورية الباكية المتألِّمة النازفة دمًا! الحزينة! الصابرة! المجاهدة! المؤمنة! الراجية! الواثقة برحمة الله وعنايته! النبيلة! الشريفة! العظيمة! إلى هذه الأم أُهدي هذه الرسالة الميلاديَّة. وقد كتبتها بالدموع والصلاة والأمل والرجاء والثقة والاستسلام لإرادة الله... وأُصلِّي لكي يعود الحبّ والرجاء والأمل والأمن والأمان والسلام والتضامن والتراحم والمودَّة إلى ربوع بلدنا الحبيب سورية وإلى باقي بلداننا العربيَّة...
التهنئة بعيد الميلاد
بقلبٍ متألِّم والدموع تملأ العيون أكتب هذه الرسالة إلى إخوتي المطارنة وأبنائي الكهنة والرهبان وبناتي الراهبات، وإلى جميع مؤمني ومؤمنات كنيستنا الرُّوميَّة الملكيَّة الكاثوليكيَّة في العالم العربي وبلاد الانتشار، وإلى الأصدقاء والأحبّاء والمحسنين!
إنَّها السنة الثالثة للحرب والأزمة في سورية.
يوم الجمعة العظيمة 2013 كتبت للبابا رسالة حول الصلب، قلت للبابا: نحن نحمل الصليب على مدى سنتين ونصف، نحتاج إلى مساعدته ليحمل الصليب معنا.
هذا ما حدث: ما زال قداسته يردِّد الأدعية لأجل سورية الحبيبة... وعندما اشتدَّت الأزمة وبلغت ذروتها في آب 2013 أطلق البابا نداءَه الرائع المؤِّيد القوي: لا ضربة على سورية، ودعا إلى الصوم والصلاة لأجل سورية في العالم أجمع!
وانضم العالم كلّه إلى البابا! وسقطت معلولا المدينة التراث والحضور المسيحي على مدى ألفي سنة، ودخلت سورية إلى ضمير العالم بطرق ثلاثة:
1.    التهديد بضربة على سورية.
2.    سقوط معلولا صرخة في ضمير العالم.
3.    الدعوة للصوم والصلاة لأجل سورية، من قِبَل قداسة البابا فرنسيس المحبوب!
وحدثت الأعجوبة وتغيَّرت الصورة! وهدأت العاصفة! وتذكرتُ الزوبعة في البحيرة! وأتى يسوع وهدَّأ العاصفة! وأتى فرنسيس وهدَّأ العاصفة. وانضمَّت الكنيسة كلّها والكنائس كلّها وانضمَّ العالم في توجّه واحد إلى البابا، إلى طريق السلام، إلى جنيف، إلى اللقاء، إلى المصالحة، إلى السلام، وإلى بناء مستقبل أفضل.
في اجتماع مجلس الكنائس العالمي في جنيف في 18 أيلول دعوتُ إلى ما يلي:
حملة كنسيَّة عالميَّة محليَّة، عالميَّة إقليميَّة، بالجملة وبكلِّ الطرق ودعوت إلى:
-    لا سلاح! لا عنف! لا حرب!
-    سلام ومصالحة وحوار!
-    الذهاب إلى جنيف
-    العمل على متابعة العيش المشترك المسيحي الإسلامي في المشرق العربي.
هذا هو المستقبل الواعد. هذا هو التوجُّه الذي يجعل شعلة الأمل دائمًا مشتعلة في قلوبنا، في سورية، في المشرق، في العالم كما دعا إليه البابا فرنسيس.
إلى هذا أدعوكم. كما أتى فرنسيس ليحمل معنا في سورية صليب آلامنا ومعاناتنا، ندعوكم أيُّها الأصدقاء لتحملوا معنا الصليب وتساعدونا لكي نبلغ إلى فجر القيامة!
أتمنَّى لكم ميلادًا سعيدًا وسنة سلام وأمان واستقرار ونجاح.
وشكرًا لكم ولكلّ من وقف إلى جانبنا لتخفيف معاناة الناس حولنا!
وكلّ عام وأنتم بخير.
مع محبَّتي وبَرَكَتي ودعائي
(25 ديسمبر 2013) © إينّوفاتيف ميديا إنك.


Envoyé de mon Ipad