Arabes du Christ


" الهجرة المسيحية تحمل رسالة غير مباشرة للعالم بأن الإسلام لا يتقبل الآخر ولا يتعايش مع الآخر...مما ينعكس سلباً على الوجود الإسلامي في العالم، ولذلك فإن من مصلحة المسلمين، من أجل صورة الإسلام في العالم ان .... يحافظوا على الوجود المسيحي في العالم العربي وأن يحموه بجفون عيونهم، ...لأن ذلك هو حق من حقوقهم كمواطنين وكسابقين للمسلمين في هذه المنطقة." د. محمد السماك
L'emigration chretienne porte au monde un message indirecte :l'Islam ne tolere pas autrui et ne coexiste pas avec lui...ce qui se reflete negativement sur l'existence islamique dans le monde.Pour l'interet et l'image de l'Islam dans le monde, les musulmans doivent soigneusement proteger l'existence des chretiens dans le monde musulman.C'est leur droit ..(Dr.Md. Sammak)
Affichage des articles dont le libellé est سليم دكاش ، مسيحيون، الشرق. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est سليم دكاش ، مسيحيون، الشرق. Afficher tous les articles

mercredi 1 février 2012

مستقبل مسيحييّ الشرق الأدنى :

مستقبل مسيحييِّي الشرق الأدنى :
أخطار الزوال ورجاء الشهادة
الاب سليم دكاش
دراسة نشرت في العمل الشهرية ت2 2010  
في ختام المحاضرة التي ألقاها نيافة البطريرك ميشيل صبَّاح ، رئيس أساقفة الكنيسة اللاّتينيَّة في القدس والأراضي المقدَّسة ، وذلك في شهر أيار 2010 في حرم جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الدينيَّة في بيروت ،وكانت تلك المحاضرة تحت عنوان " مستقبل " المسيحيّين في الشرق الأدنى والأوسط ، سأل أحد المشاركين : " أهكذا نترك المسيحي في العراق يُقتل دون أن نتحرَّك؟ ماذا علينا أن نفعل ؟ ". صمت البطريرك وقال : " علينا أن نقوم بواجبنا في توجيه الضمير الشرقي والعربي والعالمي وعلى المسيحي العراقي أن يحاول درء الخطر وأخذ الحيطة ، والإستفادة من تاريخه الطويل كجزء لا يتجزّأ من نسيج العراق البشري والثقافي ، ولكن إن وصل الأمر الى مواجهته الموت والقتل على أيدي أهل الشذوذ ، فهو ليس أفضل من معلِّمه يسوع المسيح ، وهو ليس أفضل من آلاف الشهداء الذي رماهم أهل الوغى للوحوش الكاسرة ، فكنيستنا، لا إنتماءنا الإجتماعي فقط ، هي كنيسة الشهداء. في غزَّة وفي العراق ، حيث يقتل المسيحي بسبب إيمانه ، المؤمن يموت مذبوح الرأس شهيداً. هذه هي الحقيقة الصعبة التي لا بدَّ أن نقبل بها. والشهيد هو الذي يشهد لإيمانه ، وإيماننا يقول بمحبَّة الأعداء وإيماننا يقول إن الوليّ على الوطن وعلى الدولة هو الذي ينبغي له الدفاع عن جميع المواطنين ".
أسئلة أساسيَّة كثيرة
جواب البطريرك على السؤال حرَّك القاعة والحاضرين وألهبهم ، والبعض يتساءل : أوصلنا الى هذا الحدّ ؟ ولماذا وصل الأمر بمجتمعاتنا أو ببعضها على الأقل إلى هذا الحدّ من المواقف الحادَّة؟ وهل لا مستقبل لنا ولأولادنا وللأجيال المسيحيَّة اللاحقة سوى الشهادة أو الرحيل ؟ وهل هناك علامات رجاء تلوح في الأفق ؟ وهل أن المجتمع الإسلامي والأنظمة العربيَّة لا تتحرَّك لوقف النزيف ؟ أين نحن ، لا بل أين الكنيسة و الكنائس والأنظمة السياسيَّة من حالة الهجرة خصوصاً تلك التي تتوجَّه صوب الغرب التي تطال المسيحي والمسلم معاً ، مع العلم أنها تؤثِّر في صلب دعوة الكيان المسيحي وشهادته لحضارة المحبَّة ؟ كيف تحوَّلت مدينة مثل حلب في سوريا من حاضرة أربعون في المئة من سكانها مسيحيّون في بداية الربع الثاني في القرن العشرين إلى مدينة أصبحوا فيها إثنا عشر بالمئة اليوم ؟ هل يكفي فقط الإستنكار وانعقاد الندوات والإجتماعات واستعادة الذكريات والبكاء على الماضي وتجميع الإحصاءات والإختلاف عليها وعلى تفسيرها ؟ أم أن هناك قضية حالية معاصرة إسمها وعنوانها قضيَّة المسيحيين في الشرق ، يجدر التفكير فيها وفي معاني هذا الوجود وكيفيَّة إعادة ترسيخ هذا الوجود والمسيحيُّون قبل غيرهم مسؤولون عن هذا التفكير وقبل إلقاء اللوم على الآخرين بالرغم من مسؤولية هؤلاء عن استمراريّة هذا الوجود؟
لا شكّ أن الاجتماعات التي تُعقد والسِنودُسات التي يدعو إليها الفاتيكان وغيره من الدوائر العالميَّة تتناول الكثير من القضايا والحقول التي تهُمُّ الحياة المسيحيَّة من الزاوية الإيمانيَّة ، والواقع أن كنائسنا نشيطة والمؤمنون لهم دور بارز وقدير فيها ، بالمقارنة مع ضمور الكنيسة المؤمنة في الغرب الأوروبي ، وواضح أن الكنائس بحاجة دوماً الى التنسيق بينها ، وجَلِيٌّ أيضاً أن حياة الروح تهبُّ في قطاعات عديدة مثل الشبيبة والعائلات والعلمانيين والدعوات الكهنوتيَّة والرهبانيَّة متكاثِرة إذا ما قابلناها بما يحصل غرباً ، حيث إلى القلَّة تنضمُّ وتزدهر الفضائح.
القلق وعدم الإستقرار
إلا أن أوساطنا المسيحيّة وكنائسنا في مجملها أكانت كاثوليكيّة أم أرثودكسيَّة أم بروتستنتيَّة تعيش نوعاً من النقص والقلق الدائم على مستقبلها. ربما كان ذلك قوياً في بعض الأماكن من العالم العربي أكثر من أماكن أخرى ، حيث يشعر المسيحي بأن وجوده مضمون ومُسْتَقِر. الواقع أن عدم الإستقرار ، كحالة نفسيَّة ، لا فقط كموقف ظرفي أصبح مُلازِماً الوجود المسيحي في الشرق وذلك منذ إنهيار النظام الشيوعي وانكسار جدار برلين. لا كنائسنا ولا طقوسنا ولا وحدتنا ولا إنقساماتنا كمسيحيين تقدر على دحرجة الحجر عن قبر حالة عدم الإستقرار التي يشعر بها الإنسان المسيحي قبل غيره ، لأن هذه الحالة تَطال أيضاً معظم المجتمعات العربيَّة والشرقيَّة لأكثر من سبب. أمام تلك الكلمة التي نُرَدِّدُها بقوَّة الرجاء : نحن أبناء هذه الأرض الأساسييّن ، نحن هنا قبل دين الإسلام ، ونحن باقون ، يجيب البعض بروح واقعيَّة : ألا ترى الأرض تُسْحَبْ من تحت رجلَيْك ، وأن من يخسر الأرض ، يخسر الجغرافيا ويخسر التاريخ. على أي أرض سوف تبني تاريخك وتاريخ الأجيال اللاحقة ، إن بِعتَ أرضك لأهل المال الأقوياء ، وهم من مِلَّة أخرى ، وهم من أصحاب المشاريع والتوظيف الرأسمالي وذلك صحيح ، إلا أن الصحيح أيضاً أنهم يتكلَّمون بإسم الله ولا ينفصل عملهم عن إنتمائهم الصيق بهويَّة مِلَّتِهم. ألا ترى أن العالم اليوم، بالرغم من إتساعه هو عوالم ؟ ألم يعترف صموئيل هنتنغتون اليهودي الأميركي بنبوءَتِه وتحليلاته أن الصدام الحقيقي اليوم هو صدام الحضارات والأديان المرتبطة بها وأن لا مكان للأقلويّ في هذه المنظومة الجديدة ؟
الواقع العالمي الجديد : ثلاثة متغيِّرات رئيسة
أوّلاً : الإنتقال من صراع الإيديولوجيَات إلى صراع الحضارات
عندما نفكِّر في واقع المسيحيين الشرقيين وفي مستقبلهم ، من المفيد الإنطلاق من صُلب الواقع العالمي الجديد الذي مردُّه إنهيار الإيديولوجيَّات منذ نهاية الثمانينات. إنها العولمة الإقتصاديَّة الليبراليَّة وإنها في الوقت عينه حالة إرتداد الحضارات الكبرى على نفسها وعلى هوياتها الأساسيَّة. فالسبب الأساسي للصراع كما يقول صموئيل هنتنغتون في كتابه "صدام الحضارات" ، لم يَعُد إيديولوجيًّا ولا إقتصاديًّا ، بالرغم من قوَّة هذين العنصرين :
-1- السبب الأول للصراعات هو ثقافي ، الأوطان والقوى الإقتصاديَّة والسياسيَّة العظمى تبقى على ما هي.
-2- إلا أن المواجهة ، ربما العنيفة أحياناً ، سوف تقع بين مجموعات من البلدان تنتمي الى حضارات مختلفة.
-3- وصدام الحضارات لن يحصل في مكان معيَّن بل إنه سوف يمتدّ على ساحة العالم كلِّه.
-4- وخطوط التماس والمواجهة بين الحضارات سوف تتحوَّل الى خطوط المعارك. وقد حدّد هنتنغتون عدد الحضارات بسبع أضاف إليها واحدة : الغربيّة ، واللاتينيّة الأميركيَّة والسلافو أرثوذكسيَّة والهندوسيَّة واليابانيَّة والكنفوسيَّة ( الصين ، كوريا ، وفيتنام ) والسابعة هي العالم الإسلامي والثامنة ، وهي ناشئة ، الحضارة الأفريقيَّة. وما يوحي به هنتنغتون هو التالي : على كلّ قوّة عظمى التي تُمثِّل هذه الحضارات أن تحترم حدود الآخر ولا تتدخَّل في شؤون الحضارة الأخرى ، وإلاّ يُصبح للإصطدام مُحَتَّماً.
ثانياً : مبدأ المصلحة هو المقياس
وهكذا نفهم أنَّ الوجود المسيحي في الشرق الأدنى والأوسط أصبح مُقَيَّداً أكثر من أي وقت مضى بحضارة إسلاميَّة قويَّة ، تريد المحافظة على نفسها وعلى بُنْيَتها ، وأي وجود لأقليَّة هويَّتَها تختلف عن الهويَّة الإسلاميَّة المباشرة يصبح عبئاً عليها لا بدّ من تأطيره أو تحجيمه أو إزالته لكي لا يكون حصان طروادة ضمن البلاد.
وما يجدر اعتباره أيضاً على الصعيد العالمي ، ومع إنهيار الأيديولوجيّات ، أن ما يطبع السياسات العالميّة وخصوصاً سياسات القوى المهيمنة هومبدأ " المصلحة " ، وإن كان الحديث الطاغي والشكلي هو الدفاع عن مبدأ حقوق الإنسان وحقوق الأقليّات ووجوب إحترامها. والمرادف لكلمة مصلحة هو مبدأ الواقعيَّة السياسيَّة التي تُسَيِّر العلاقات بين الدول ، فترى بلدين عدووَّين ، على سبيل المثال ، يتَّفقان على إجراء معين أو حلّ أزمة معيَّنة لأن للإثنين مصلحة في ذلك. وإنَّ الواقعيَّة السياسيَّة ، حتى مع الخطاب العالي النبرة ، هي التي تُنَظِّم العلاقات بين الأقوياء على حساب الذين لا ظهر ولا سند لهم. وما يُقال في العلاقات بين الأقوياء من البلدان ينطبق أيضاً على مواقف بلدان إقليميَّة متوسِّطة القوَّة ، تعمد على إخفات الأصوات المطالبة بحقوقها لأن في ذلك خطر على مصالحها. فما يوجِّه السياسات ليست دوماً المبادىء الأخلاقيَّة العامة ، من نوع تلك التي رسمها الفيلسوف عمانوئيل كانط ، عندما قال أن ما تريده لنفسك من خير ، يجب عليك أن تريده للآخرين وبذلك وضع الوازع الأخلاقي مبدأً أساسيًّا في التعامل بين الناس.
الواقع الإسلامي الجديد
والواقع الثالث الذي لا بدّ من الإشارة إليه هو أن الدين الإسلامي لم يَعُد ديناً عربيًّا أو فارسيًّا أو محصوراً على بلاد الفتح ، بل إنه انتشر سريعاً ولأسباب مختلفة في الكثير من القارات والبلدان حتى بلغ تعداد المسلمين أكثر من مليار و 200 مليون نسمة في حين أنهم كانوا حوالي ال 840 مليون في السنة 1986 ، وقد تجاوز عددهم الكاثوليك الذين أصبحوا حوالي المليار اليوم في حين أن عددهم كان 868 مليوناً في سنة 1986. من هذه الأرقام نفهم سرعة إنتشار الإسلام بالتوالد وبتوسُّع رقعته الجغرافيَّة وكذلك قدرته على التأقلم ، وكذلك إستفادته من موقف المجمع الفاتيكاني الثاني الذي أقرَّ بالإسلام ديناً له كيانه في حين أن الإسلام ، نظراً لتعدُّد مرجعياته لم يَقِم بمبادرة مماثلة. فاستفاد من هذا الإعتراف ليُصبِحَ ديناً محترماً بين مندرجات الأديان التوحيديَّة وغيرها. والواقع أيضاً أن العولمة وما تفرزها من تبدُّلات في سُلَّم القِيَم يدفع المجتمعات الإسلاميَّة ، على الأقل في الشكل ، إلاّ أن ذلك له أهميَّته ، الى التشبُّث بأهداب الدين وتأسيس علاقاتها عليه وعلى عقائده في المعاملات والعبادات. والمراقب للحالة الدينيَّة ، يرى كم أنَّ المجتمعات الإسلاميَّة هي التي تتعلَّق بالدين وترى فيه مصدراً لمختلف أحوال الحياة.
إن أي تفكير في مصير المسيحيين في الشرق الأدنى لا بدّ أن يأخذ في عين الإعتبار هذه المتغيِّرات الأساسيّة التي تحرِّك الأوطان وسياساتها والمجتمعات ومعاملاتها.
واقع المسيحيين في الشرق الأدنى اليوم
لقد كُتِبَ الكثير في تشخيص أحوال المسيحيين في العالم العربي والشرق الأدنى اليوم ولا نَوَدّ الغوص كثيراً في أمور يعرفها القاصي والداني بالرغم من التعمية عليها في غالب الأحيان. في العراق ، إنها العاصفة التي اقتلعت الكثيرين من بيوتهم ودفعتهم الى الرحيل. لا شكّ أن الصراع في هذه البلاد تحوَّل الى صراع مذهبي بين جناحَيْ الإسلام الشيعي والسنَّي من أجل السيطرة على السلطة ، وهو صراع فيه الكثير من اللاعقلاني والموت. وإذا كانت المذهبيَّة تتوسَّل الصراع الدموي لتصل الى السلطة ، فلا يُفهم لماذا يُقتَل المسيحي ويُهَجَّر ، وكيف أن هذا الصراع يُوَلِّد الفوضى ومجموعات أصوليَّة تعمل في الظلمة لضرب الوجود المسيحي.
وفي مصر ، إزداد منسوب عدم التسامح والتطرُّف منذ مدة طويلة ، وظاهرة التعدِّي موجودة ولها أشكالها المختلفة وظاهرة الغلبة على الآخر تتوارث جيلاً بعد جيل. فعندما كنتُ في المينا في بداية السبعينيات ، كنا نتجوَّل في إحدى القرى عندما مرَّ بنا موكب كبير من السيارات والجمال يجول من قرية الى قرية. وعندما طرحنا السؤال عما يحدث ، كان الجواب إنها عادة : عندما يتزوَّج المسلم من نصرانيَّة قبطيَّة ، يَتُمُّ التجوال بالزوجة ، حتى ولو لم تسلم ، في قرى مصر العليا ، في موكب إحتفالي ، للإعلان عن أن مسيحيّة دخلت كنف المجتمع الإسلامي ، وهذا أمر إلى غيره ، يترك الآثار السلبيَّة على العلاقات بين المسيحيين والمسلمين. وفي هذا البلد بالذات ، مصر ، لا يُسمح ببناء كنائس أو ترميم القديمة منها إلاّ بمرسوم جمهوريّ خاصّ. وإنّ تدريس اللغة العربيَّة من قِبل معلم قبطي يخضع لكثير من التحفُّظات ، إذ إنّ اللغة العربيَّة هي لغة القرآن ، وكذلك ، لا يحق للأقباط أن يتسنّموا مراكز متقدِّمة في الجيش المصري ، إذ إنّ هناك شبهات حول وطنيتهم. وقد نقل أحد الدعاة المسلمين المصريين ، محمد عمارة ، إستشهاداً للغزالي (ت 1011) ، في تقديم كتاب حول الشريعة الإسلاميَّة التي تعتبر المسيحيين كُفَّاراً ، كان لهم الحقّ ، مؤقَّتاً ، بالمواطنيَّة وذلك ما أثار موجة من الإنتقاد والتفسير.
أما عن فلسطين ، فحدِّث ولا حَرَج ، فالصراع محتدِم بين الإسرائيليِّين والفلسطينيِّين ، وهو السبب الرئيسي لعدم الإستقرار على الأصعدة كافةً، والتطرُّف الديني الذي يأكل وجود الأقليَّات قبل غيره هو الجواب على واقع الإحتلال. وضمن حدود 1948 ، التشنُّج قائم ويلتهب من حين الى آخر بين البيوتات الدينيَّة والمذهبيَّة الإسلاميّة والمسيحيَّة والدرزيَّة ممّا يجعل من الإسرائيلي وسيطاً بينها وذلك ما تردِّده وسائل الإعلام العالميّة بأن السلطة الإسرائيليَّة هي حامية المسيحيين من التطرُّف الإسلامي ، والواقع أنها تستخدمهم لتعزيز صورتها والمقايضة بحقوقهم عند الضرورة.
أمّا في لبنان ، فإنّ الوضع يتأرجح بين الإستقرار وعدم الإستقرار وهو يسير نحو التعقيد لأسباب طائفيَّة تُغَذِّيها التدخُّلات الخارجيَّة والإقليميَّة ، وهذا ما يهدِّد الصيغة اللبنانيَّة برمَّتِها التي تقوم على المساواة في إدارة شؤون البلاد . إلاّ أنّ التصاريح السياسيَّة ، من نوع أن المسيحي لم يَعُد يُمَثِّل أكثر من 25 بالمئة من تعداد السكان ، يبقى حاضراً في الأذهان ويُغَذِّي عامل الإستقواء على الآخر.
أمّا في سوريا والأردن وبعض دول الخليج ، فإنّ الحضور المسيحي هو حضور إجتماعي إقتصادي فكري له حدوده ، فَتُحاول السلطات المحلِّية أن تحميه ضمن شروط ومستلزمات معيَّنة ، فيؤيِّد الحاكم وينضوي تحت جناحيه. إلاّ أن بعض التيارات والأحزاب الإسلاميَّة أو بعض وسائل الإعلام لا تتردَّد في التعبير عن إستيائها من واقع الحضور المسيحي الإجتماعي ، وهي تنظر إليه نظرة الرِّيبة ، لأنَّها تريد أن لا يتقدَّم مسيحي على مسلم من أي مكانٍ ما ، إلى حدّ أنَّ بعضهم يقول بأنَّ دين الإسلام هو دين العزّ ولا يجوز لأيٍّ كان من غير المسلمين أن يكون مسلَّطاً ، في أيّ حالة ، على أحد من المسلمين.
النتائج العمليَّة لهذا الواقع
من الآثار القويَّة التي تنتج عن هذا الواقع المأزوم أو أنها تُسَبِّب هذا الواقع المأزوم الأمور التالية:
أوَّلاً : عندما نُمعِن النظر في الواقع الحالي ، أمام حالة عدم الإستقرار واستمرار الهجرة وضمور الولادات وعدم وعي السلطات المسيحيَّة ، أعلمانيَّة كانت أم كنسيَّة ، لواقع القضيَّة ، نرى أننا في حالة عودة قويَّة الى الوراء ، على الأرجح ، وهي عودة الى قبل مرسوم " الخطِّي همايوني " في السنة 1856 ، في عهد السلطان العثماني عبد المجيد ، وهو مرسوم فتح أبواب الحياة العامّة ، والمؤسَّسات الدستوريَّة والإداريَّة أمام الرعايا المسيحيين في السلطنة. وجاء هذا المرسوم مكمِّلاً لنظام الملل الذي كان السلطان العثماني اعتمده بعد سقوط القسطنطينيَّة والذي أعطى المجموعات المسيحيَّة إقراراً قانونيًّا بوجودها وحقوقاً وواجبات. إنها العودة إلى الوراء ، وهذا ما أكَّده نقاش جرى حديثاً مع بعض النافذين في أحزاب إسلاميَّة ، تعني العودة الى التقليد الإسلامي في التعامل مع أهل الذمَّة القاطنين في ديار المسلمين. وأداء الحاكم في هذه الحال يُراوح بين التشدُّد الذي ينعكِس إنكماشاً في الحضور المسيحي ودوره وبين التسامح الذي كان يؤدِّي الى ازدهار الدور المسيحي ، والأمر يبقى رهناً بموقِف الحاكم. فبالنسبة الى هؤلاء النافذين، التقليد الإسلامي المثبَّت تاريخيًّا وعقائديٍّا واضح وليس بحاجة الى تفسير ، يقضي بالعودة الى مبدأ الذميَّة ، وأن على المسيحي القبول بهذا الواقع. والموقف الديني السياسي هذا ، لا يتردَّد أصحابه في القول به وإسماعه للحاكم الذي يكون مُجْبَراً في الرضوخ له إكراماً ومخافةً.
ثانياً : وهكذا يصبح الدين ، في إطار صراع الحضارات أداة لرفض احترام الآخر ذات الخصوصيَّة بالنسبة الى الأكثريَّة ، في اختلافه وهويَّته ، وتهميش مبدأ المساواة أمام الحقوق والواجبات. وهذا الأمر لا يحتاج فقط إلى سينودس بل إلى سينودسات وإلى إجتماعات متواصلة للمسيحيَّة وللإسلام وكلّ القوى المسيطرة على مجتمعاتنا ، تردّ الى الدين حقيقته الأصليَّة ورسالته السامية ، أي عبادة الله بالروح والحقّ واحترام أبناء الله جميعاً وتثبيت المساواة بين المؤمنين جميعاً إلى أي دين إنتموا. فالدين لا هَمَّ له بأن يسيطر على الحكم ، بل هو مثل الروح بالنسبة الى الجسم يقوِّيها وينعشها ضمن إطار مجتمع لا يُفَرِّق بين دين وآخر.
ثالثاً : لا شكّ أن علاقات تاريخيَّة تمّ نسجُها عبر التاريخ بين المسيحيين والمسلمين ، وأنّ التعاون يشمل مستويات مختلفة على صعيد العمل الإجتماعي ، لا بل أن هناك أخلاقيَّة مشتركة نمارسها سويَّة كمسيحيين ومسلمين ، في مختلف البلدان ، إلاّ أنّ العلاقة تسوء عندما يتعلَّق الأمر بالسلطة، فيبدو العيش المشترك إذاك سريع العطب ، كما هو الحال في لبنان. أمّا في باقي البلدان العربيَّة حيث لا يُشَكِّل المسيحيُّون خطراً على أن يُسيطروا على السلطة ، فلماذا لا يُقبل بأن يكونوا متساوين مع الآخرين ، وأن تكون كرامتهم محفوظة إذ إنّهم لن يفكِّروا حتى بمنصب رفيع ولا بأيّ دورٍ سياسي إن لم يُعطَ لهم !
رابعاً : أما الحوار الإسلامي المسيحي ، فهو لم يتخطَّ بعد إطار الخطابات والمحاضرات والندوات والتمنِّيات على مستوى القيادات الدينيَّة ، وعلى مستوى النخبة الثقافيَّة الفكريَّة – لا أقول الأكاديميَّة – والقليل القليل من مقرَّراته ودعواته تحوَّل الى واقع ملموس. والمعروف أن هذا الحوار ، وقد استعاد دوره بشكل خجول بين الفاتيكان والموقِّعين 138 المسلمين على الرسالة الى البابا بندكتوس السادس عشر المطالبين باحترام الإسلام كدين ودعوة ، وقد أجاب الفاتيكان على الرسالة بالتشديد على أن الحوار وصل الى واقع مأزوم لأنه من جانب واحد وأن شيئاً لم يتغيَّر في واقع الكثير من الجماعات المسيحيَّة في العالم الإسلامي ، فيجب على الحوار أن يكون بين شريكَين متساويَين وأن يسفر عن نتائج حسِّيَة وإلاّ لِمَ نتحاور وفي أي موضوع نتحاور ؟
وفي خصوص الحوار الإسلامي المسيحي أيضاً ، فإنّ بعض الأرض والمجتمع المسيحي الشرقي لم يَعُد يقدِّره حقّ التقدير وينظُر إليه بشيء من الخيبة والمرارة ، وإن بعض الإحتفالات المشتركة مثل عيد البشارة ، بشارة مريم بيسوع ، في 25 آذار ، لم يُلاقِ هذا الترحاب الشعبي الواسع ، وإن لاقى بعض التشجيع الرسمي والديني والإجتماعي. إلاّ أنّ هذا الحدث يُعتَبَر نقلة نوعيَّة في الحوار الإسلامي المسيحي بحيث ينطلق ، لا من القيادات الدينيَّة بحدِّ ذاتها ، بل من بعض المواقع الإجتماعيَّة كالنوادي والمراكز والروابط والتلامذة القدامى وغيرهم ، وهذا من الأمور الجديدة التي لا بدّ من تشجيعها وتثبيتِها كحدث إجتماعي له أصوله ومعانيه ونتائجه على العيش المشترك.
ولأنّ للعلاقات الإسلاميَّة المسيحيَّة أهميَّتها فقد استحدثت الجامعات ، ومنها جامعة البلمند وجامعة القديس يوسف وجامعة المقاصد في لبنان ، برامج أكاديميَّة خاصَّة رفيعة المستوى للتدريب على الحوار وحلّ النزاعات الدينيَّة والثقافيَّة ، حتى الماستر والدكتوراه ، ومعهد الدراسات الإسلاميَّة المسيحيَّة في جامعة القديس يوسف يقوم اليوم في إطار الماستر في العلاقات الإسلاميَّة المسيحيَّة بإعداد أخصَّائيِّين ناشطين في هذا المجال فيعملوا على مستوى المؤسسات الدينيَّة والثقافيَّة وضمن حلقات المجتمع الأهلي ودوائره الأساسيَّة على درء الأفكار المُسبَقَة الخاطئة والمبادرة على حلّ النزاعات وتشجيع التعارف المشترك. كما أنّ المعهد نفسه يُوَفِّر تدريباً للعديد من الطلاب حول معرفة الآخر المختلف. وهذا كلّه يعني أنّ الحوار الإسلامي المسيحي في صفته السابقة لم يَعُد قادراً على الوقوف على رجليه وأنّ إجتماعات الفنادق لم تَعُد تفي بالمطلوب ، وأنّ صفحة جديدة لا بدّ من كتابتها في هذا المجال.
علامات الرجاء
أوَّلاً : في ظلِّ وطأة صراع الحضارات وما يتركه من آثار سلبيَّة على الأديان ، وخصوصاً على الديانات التوحيديَّة ، نظراً الى الإلتباسات العالقة بعلاقات الواحدة بالأخرى إذ إنها تنتمي الى حاضرة واحدة هي حاضرة الإيمان الإبراهيمي ، أتى البابا بندكتوس السادس عشر زائراً الأراضي المقدَّسة في أيار من السنة 2009 وإذ به يكتشِف مدى الأذيَّة اللاحقة بالمسيحيِّين وفراغ الأرض من مسيحيِّيها. وأتى السينودس بعد ذلك ، لا فقط إثر صرخة الأحبار المسيحيِّين اللبنانيِّين والعرب والشرقيِّين، بل لأن البابا رأى بأم العين واستهاله الموقف الصعب ، أن تُصبح الأرض المقدَّسة مجرَّدة من شعبها الأصيل ، وهكذا أصبح المسيحيِّون في الشرق قضيَّة البابا الخاصَّة ، وهو أمر هام مثلما كان لبنان في أيام الشِدَّة قضيَّة البابا يوحنا بولس الثاني.
ثانيا : الواقع أنّ لا قضيَّة اسمها قضيّة المسيحيّين الشرقيّين وما حقّقوه من مآثر جُلَّى على أرض الشرق أدبيًّا وفكريًّا وفنِّياً ووطنيًّا ، بل إنّ القضيَّة ، والمسيحيِّين فقط من جملتها ، هي قضيَّة التعدُّديَّة الدينيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة والقبول بها جوهراً لا شكليًّا ولا سطحيًّا. البطريرك ميشيل صباح نفسه وفي المحاضرة عينها قال إن ما ينتظره ، إنتصاراً لهذه القضيَّة ، أن يقف رجل دين مسلم له شعبيَّته وصورته يقول مثلما قال المجمع الفاتيكاني الثاني : إنّ على المسلم أن يحترم دين المسيحيّين على اختلافه كما أنّ الفاتيكان قد أعلن احترامه لدين الإسلام ، وهذا هو الطريق الصحيح الذي لا بدّ من سلوكه إن أراد المسلمون أن يبقى المسيحييُّن في أرضهم وجيرتهم.
والتعدُّديَّة هي قضيَّة تتجاوز الموضوع الدِّيني البحت وإن كان هو العامل الأساسي المحرِّك لمجتمعاتنا وهو الذي يرسم الحدود بين مجتمع وآخر وإنسان وآخر. وهذه التعدُّديَّة هي قضيَّة الحريَّة ولا تنفي ، لا بل تُشَجِّع الإلتزام السياسي بمفهومه الصحيح وهو أمر مشى به المسيحيّون في نهاية القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين وقد وضعوا ، على الإجمال ، مصلحة مجتمعاتهم أكانت مسيحيَّة أم مسلمة ، قبل أي مصلحة أخرى ، وحقّهم كما حقّ أي مواطن في الممارسة السياسيَّة المواطنيَّة. ونرى اليوم أن مساحة التعدُّديَّة هي ضيِّقة وكذلك تلك المساحة المفروزة للحريَّات الشخصيَّة.
ثالثاً : يقول بعض المفكِّرين في وضع المسيحيِّين الشرقيِّين :
لقد لعب المسيحيُّون دوراً هاماً في الحقبة الماضية بما يخصُّ العلاقات بين الشرق والغرب، بين العالم العربي حتى إنّ عبارة " لبنان " أو " المسيحيُّون " يلعبون دور الجسر الرابط بين الغرب والشرق " دخلت القاموس. هذا الدور أصبح هامشيًّا اليوم عندما انفتحت الطوائف الأخرى في طبقاتها الراقية على الغرب وعلى الثقافة المعاصرة بحيث أصبح الدور المسيحي هامشيًّا ، وخسرت النخبة المسيحيَّة إحتكارها للعلاقة الإقتصاديَّة والثقافيَّة المكثَّفة مع الغرب. وإلى ذلك ، تآكلت الطبقة المسيحيَّة المتوسِّطة في أكثر من بلد ، وخصوصاً في الوظائف العامة الإداريَّة وغيرها ، وهذه الطبقة هي التي اختارت مرغَمة الهجرة سعياً إلى حالة إجتماعيَّة مريحة. والواقع أيضاً أنّ الطبقة المسلمة هي التي حلَّت مكان المسيحيَّة المتوسِّطة في مجال التوظيف العام ، وحتى في لبنان حيث أُلغِيَت طائفيَّة الوظائف الأربع بعد الأولى التي بقيت تخضع لمقاييس طائفيَّة.
وإلى موضوع الجسر الذي لم يَعُد يُسلَك كثيراً ، وتبدُّد الطبقة الوسطى ، نأتي اليوم الى واقع جديد حيث لم تَعُد المدرسة ، في هويَّتها وإدارتها وشرعتها ، حكراً على المسيحيِّين في لبنان حيث إنّ حوالى ثلث الطلاب على الأكثر يلتحقون بالمدارس الرسميَّة و 30 بالمئة في مدارس مسيحيَّة والباقي يتوزَّعون مناصفةً بين مدارس غير دينيَّة ومدارس مسلمة دينيَّة ، في حين أنّ المدارس المسيحيّة كانت تستقبل أكثر من 50 بالمئة من التلامذة قبل الحرب الداخليَّة الأخيرة.
رابعاً : إنّ المسيحيِّين مدعوون الى عيش الشركة الروحية والرعوية مع بعضهم البعض كمسيحيِّين، لا ليصبحوا مجموعةً قويَّةً في مواجهة مجموعةٍ هي أَقوى، بل ليكونوا شاهدين، من ضمن اختلافهم الثَّقافيّ، أَنَّ ما يجمعهم هو الرُّسوخ في الوطن والالتزام في العيش المشترك وبناء الأَوطان معًا، وأَنَّ ما يوحِّد بينهم هو المحبَّة، والتَّضحية، والرَّجاء بأَنَّ هذا العالم الذي نحن فيه سوف يتغيَّر ليكون اكثر عدلاً وسلاماً. حالياً المسيحيّون ولنكن واقعيين لا يعيشون بما فيه الكفاية هذه المحبَّة تجاه بعضهم بعضاً ليكونوا شهودًا لمحبَّة يسوع المسيح الخلاصيَّة، والمحبَّة تُلبس الإنسان المؤمن المناعة الرُّوحيَّة والجسديَّة والمسيحيّون في وحدتهم يصبحون رسل محبَّة وحوار، فيبنون جسور التَّواصل ويشاركون الآخر، متضامنين معه ، في بناء الأَوطان.
خامساً : لم نكتشف بما فيه الكفاية كمسيحيِّين ومسلمين قوة القيم الروحية والاختبار الرُّوحي الذي يجمع بيننا. نركِّز على العقائد التي نختلف عليها وتباعدنا، في حين أَن تراثنا الرُّوحيّ والدِّينيّ يزخر بالقيم المشتركة التي عالمنا اليوم، عالم المادِّيَّات والنِّسبيَّات والانفلات الأَخلاقيّ، بحاجةٍ أَن يؤَسِّسها قاعدة حياة وسلوكاً يوميًّا. هل الصدق في المسيحية هو غيره في الإسلام؟ هل قدسيَّة العائلة مختلفة؟ هل العدالة مختلفة؟ في هذا المجال، نستطيع نقل الحوار الإسلاميّ المسيحيّ اليوم، وأَودُّ أَن أُخصص فأَقول الحوار الإسلاميّ المسيحيّ الشَّرقيّ العربيّ، من حالة التَّمنِّيات إلى حالة سلوك عندما نعطي القيم المشتركة حقَّها، وأَن نجعلها أَساسًا فاعلاً وقواعد إيمانيَّة للعيش المشترك. وهذا لا يستطيع أَن يقوم به أَهل التَّصارع السِّياسيّ الذين يستغلُّون الدِّين، بل من يقوم به هم المتضلِّعون علميًّا والمهنيُّون التَّربويُّون والنَّاشطون الاجتماعيُّون في هذا المجال، وأَصبحت مؤَسَّساتنا الأَكاديميَّة والجامعيَّة أَكثر انتباهًا إلى هذا الأَمر.
خاتمة
على الأَكيد أَنَّ على الكنيسة كمؤَسَّسة وعلى الكنائس دورًا قياديًّا تضطَّلع به وهي تقوم به إلى حدٍّ ما في تعزيز الوجود المسيحيّ إلى جانب تشجيع المسيحيِّين القادرين على العودة إلى ديارهم، وذلك عبر النَّقاط التَّالية:
أَوَّلاً : في مختلف أَدبيَّاتها ومراجعها ووثائقها الحديثة، انطلاقًا من اجتماعاتها على مختلف الصُّعد، أَكانت بطريركيَّةً أَو أُسقفيَّةً أَو مجمعيَّةٍ يشارك فيها العلمانيُّون وبقوَّة، تُشدِّد الكنائس اليوم على أَنَّها صاحبة إيمانٍ وعقيدةٍ ورسالةٍ قبل أَن تكون مجموعةً طائفيَّة أَو مذهبيَّةً يهمُّها المحافظة على نفسها من خطرٍ خارجيٍّ وحسب. على فترةٍ طويلة، اختُزلت الكنيسة والمسيحيَّة بالطَّائفة وبالطَّائفيَّة. الكنائس تريد اليوم أَن تنزع عنها هٰذا اللِّباس الذي يقيِّدها ويحدُّ من حريَّتها لتعلن عن أَنَّ الإيمان المسيحيّ والعقائد المرتبطة به هي إيمانٌ بالله الواحد الخالق والمخلِّص، وهل التزامٌ بقضايا العالم الذي تعيش فيه، وهي القضايا الاجتماعيَّة والأَخلاقيَّة والتَّربويَّة، وتمدُّ يدها لمساعدة الجميع.
ثانيًا : تعمل الكنيسة أَيضًا على التَّحرُّر من الكثير من الأَفكار المسبقة السَّلبيَّة التي علقت بالذِّهنيَّة العامَّة تجاه الدِّين الآخر وانطلاقًا من مقولات المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني تريد أَن تدخل في علاقةٍ جديدةٍ متحرِّرةٍ من الأَفكار المسبقة، وهي تطالب من الآخر أَيضًا، المختلف دينيًّا، أَن يتحرَّر من الأَحكام المسبقة وبالإصغاء إليها وإلى عقيدتها كما تفهمها هي.
ثالثًا : إنَّ الحرب اللُّبنانيَّة علَّمت الكنيسة والكنائس كم أَنَّ عملها الاجتماعيّ هو عملٌّ إنقاذيٌّ للمسيحيِّين والمسلمين على حدِّ سواء، بواسطة مؤَسَّساتها الاجتماعيَّة والتَّربويَّة، وهي مستمرَّةٌ في هٰذا المجال، إلاَّ أَنَّها اليوم، وبواسطة مؤَسَّساتٍ جديدة، تعمل على ترسيخ أَقدام أَبنائها المسيحيِّين في أَرضهم، وهي تحاول أَيضًا جاهدةً على الحدِّ من بيع الأَراضي المستملكة للمسيحيِّين، لأَنَّ من أَضاع أَرضه أَضاع تاريخه إلى غير رجعة.
رابعًا : إنَّ الكنائس تعي اليوم أَنَّ وجودها لا يقتصر على بلدان الشَّرق، بل هي منتشرةٌ في مختلف أَصقاع الأَرض، وهي تودُّ أَن تتَّكل على هٰذا الوجود لصالح ترسيخ وجودها في الشَّرق، لا ضدَّ الآخر بل لتبقى ضامنةً وشاهدةً لإيمانها وللحريَّة وللتَّعدُّديَّة.
وأَخيرًا، ما نستطيع قوله إنَّ التَّجارب التَّاريخيَّة، كما الواقع الحالي، يعلِّمنا أَنَّ الاستقرار الأَمنيّ والسِّياسيّ هو دومًا في صالح الوجود المسيحيّ، لأَنَّ هٰذا الاستقرار يكون مبنيًّا على حدٍّ أَدنى من النِّظام السِّياسيّ العادل، ضمن إطارٍ قانونيّ يتيح لجميع المواطنين العيش في جوٍّ من التَّعاطف والقبول المتبادل. وهذا ما أُنجز لبنانيًّا في اتِّفاق الطَّائف، بالرَّغم من كلِّ مساوئه، حيث كان الأَرضيَّة الأُولى والصَّالحة التي استطاع اللُّبنانيّ أَن نبني عليها الحدَّ من الهجرة وخلق الظُّروف المؤَاتية والشُّروط الثَّابتة التي تتيح له أَن يبقى في لبنان.